خيانة القلب أم خيانة الضمير؟

TT

كثيرا ما استرعى تفكيري تكرر كلمات الخيانة في أغانينا العربية. هكذا غنت نجاة الصغيرة وقبلها ليلى مراد ما كتبه لها ذلك الأديب الشهير مأمون الشناوي في أغنيتها الشهيرة «ليه خليتني احبك»:

يا خاين ما لكش أمان - وريتني العذاب ألوان

وعلى هذا الغرار غنت نجمة الطرب العراقي سليمة مراد:

ألف حيف وألف وسفة مثلك يخون ويا ولفه

لا تظن قليبي يشــــفى والألم عنه يزول وتكررت على لسانها فكرة الخيانة في أغنية أخرى:

يا أهل الخلق من شاف ولفي وعرفه؟

طلع خاين ذات ما عنده وفا

وتكررت الشكوى في أغانينا. لم كل هذا الهوس بالخيانة من مطربينا؟ لم ألاحظ مثله في الأغاني الأوروبية.

رغم أن الخيانة الزوجية والغرامية أكثر شيوعا بين الأوروبيين مما هي بيننا، ليس لأننا أكثر إخلاصا أو أخلاقا أو ديانة منهم، وإنما لضيق المجال وقلة الفرص. ربما أيضا لأن الأوروبيين أكثر تسامحا منا في هذه الأمور.

ما يهد أعصابهم هو خيانة الوطن وليس خيانة الزوج أو الزوجة. وهو طبعا عكس ما نشعر به. انه اختلاف في الأولويات.

فضلا عن ذلك، لم يغرق السابقون في تراثنا الأدبي والغنائي في هذا الهوس بالخيانة الزوجية أو العاطفية. كانت شكاواهم العاطفية تدور غالبا حول الفراق والبعد والهجر والصدود.

لم شاعت ظاهرة الخيانة في أغانينا المعاصرة رغم قلة وقوعها نسبيا على مستوى الحياة الواقعية؟ أعتقد أنها تعكس ظاهرة اكبر تجتاح المجتمع العربي، وهي ظاهرة الخيانة بأبعادها وأطرها الواسعة، خيانة الوطن، خيانة الوعد، خيانة الواجب، خيانة الدين، خيانة الكلمة، الخيانة في كل زاوية من زوايا حياتنا.

ينقل المطرب العربي قرفه من أحوال بلده الذي يحبه إلى القرف من سلوك المخلوق الذي يعشقه.

وهو نوع من الأسلوب المعروف عند الغربيين باليوفميسم euphemism، التعبير بأسلوب ارق عما هو أقبح اخطر. لا المطرب ولا الشاعر يدرك طبعا حقيقة ما هو فاعل. إنها عملية تنفيس لا شعورية.

إحساس عميق لا شعوري بالغضب على سلوك عام، دأب عليه رجالاتنا ومواطنونا في الخوض في مستنقعات الخيانة اللامسؤولية.

إنها مسألة خيانة الضمير.