الكويت تستوعب «خلايا التجسس» ما دامت ليس فيها كويتي!

TT

تشهد الكويت هذه الأيام تحقيقا مع خلية ما. الضجة الإعلامية التي رافقت مسألة تسرب خبر اكتشاف الخلية، ووصفتها بأنها «شبكة تجسس إيرانية»، واجهها هدوء حكومي مسؤول. الناطق الرسمي باسم الحكومة وزير المواصلات وزير الدولة لشؤون مجلس الأمة الدكتور محمد حسن البصيري فوجئ كيف انهمرت الضجة الإعلامية من كل صوب، وتأسف كيف يتعامل الإعلام بمسألة حساسة تتعلق بأمن دولة الكويت. حتى مساء الاثنين، موعد كتابة هذا المقال، لم يصدر أي بيان رسمي كويتي يقول إن الخلية تابعة للحرس الثوري الإيراني. ما يهم الكويت في الموضوع كله، هو ما إذا كان هناك كويتيون متورطون في هذه الخلية. وحتى الآن لم يظهر أي دليل على وجود كويتيين من العاملين في أي من أجهزة الدولة في هذه الخلية.

إيران في نفيها لما ذكرته الصحف عن تفكيك «شبكة تجسس إيرانية» في الكويت بدت كمن يحاول التباهي بأهمية الحرس الثوري، إذ قال العميد رمضان شريف لوكالة «فارس» شبه الرسمية: «إن المزاعم حول كشف شبكة التجسس في الكويت تدخل في إطار التخويف من الحرس الثوري، وذلك للحد من شعبية الحرس بين شعوب المنطقة!». وأضاف رمضان شريف أن «حجم الالتحاق بحماس وحزب الله خير دليل على شعبية الحرس الثوري».

إذا أردنا الرد على تصريح العميد الإيراني، لأمكننا القول إن خياله يلعب الدور الأكبر، ذلك أن الحرس الثوري الإيراني لا يتمتع إطلاقا بأي شعبية لدى أبناء المنطقة، إن لم نقل إن هذا الحرس مرفوض إلى درجة الكره. وربط حماس وحزب الله بالحرس الثوري يؤكد ما يعرفه الكثيرون من أن هذين التنظيمين فقدا استقلاليتهما وهما مرتبطان مباشرة بإيران، عبر أوامر الحرس الثوري.

القيادة الكويتية تعاملت مع اكتشاف الخلية بهدوء. البصيري قال إن التحقيقات الجارية ليست وليدة الأمس، وإنما جارية منذ فترة ولم تستكمل، وبمجرد انتهائها سيحال المشتبه بهم إلى النيابة والقضاء. هذا يكشف أن الكويت ترفض التعامل مع الأوضاع كحق مكتسب، وكأن المجتمع الكويتي قطع مراحل الخطر ولا يمكن أن يضعف.

الهدوء الذي تعاملت به الحكومة الكويتية مع ما تسرب من اكتشاف الخلية يعود لرغبتها في عدم الإضرار بنسيج المجتمع الكويتي، ولأهمية اليقظة في هذه الحالة. لأنه سواء شاءت الكويت أم أبت فإنها تتأثر بشكل مباشر وغير مباشر بما يدور حولها، سواء أكان في لبنان أم في العراق مثلا، وذلك بحكم علاقاتها بالدول، وبحكم قربها الجغرافي، وتأثر بيئتها بمجريات الأحداث.

يعتقد أحد المسؤولين الكويتيين أن القصة كلها الآن يمكن وصفها بأنها عبارة عن تصفية حسابات سنية - شيعية، «يريدون أن تكون الكويت ساحة المعركة وهذا أمر خطير جدا جدا». إذ أن في الكويت نحو 35?% من مواطنيها من الشيعة، وهذه المسألة والضجيج المقام حولها تهدد الوحدة الوطنية، خصوصا إذا ثبت في التحقيقات عدم وجود لهذه الخلية حسب التفاصيل التي أوردتها بعض الصحف، وإذا تبين أن من قام بتسريب مثل هذا الخبر إنسان خال من الحس الوطني، ومن أي شعور بالمسؤولية. إن تداعيات مثل هذا الخبر ليست بسهلة على صعيد النسيج الداخلي الكويتي.

الهدوء الذي تلتزم به القيادة الكويتية مقابل هذه الضجة الإعلامية المتراكمة في الصحف يقول سياسي كويتي إن سببه عائد إلى أنه «من الطبيعي جدا، كما بين كل الدول، أن يكون للإيرانيين خلايا في الدول وفي الكويت أيضا، وأن يكون للأميركيين خلايا، وكذلك للبريطانيين والسعوديين والمصريين.. إلخ. كما أن للكويت خلايا في دول أخرى، وكالعادة تكون هذه الخلايا تحت غطاء دبلوماسي أو عسكري أو ثقافي» ويضيف: «الكل يعرف أن الكل لديه خلايا لدى الجميع ضمن أجهزته». لكن وكما يقول السياسي الكويتي: «المهم في كل هذا هو: هل يجري تجنيد مواطنين من الدولة التي تعمل فيها هذه الخلايا؟».

ليست الكويت بمعزل عما يحدث في المنطقة، وما يحدث له تأثير على الشأن الداخلي الكويتي، وتحاول القيادة الكويتية بكل ما أوتيت من قوة وبكل الإمكانيات المتوفرة لديها أن تحصن جسمها الداخلي ونسيجها الاجتماعي، وأن تحمي وتحفظ الوحدة الوطنية.

وترفض القيادة الكويتية استباق تحقيقات أجهزتها، كي لا يتم التوصل إلى استنتاجات من دون الرجوع إلى الجهات الرسمية، لأن من شأن ذلك إحداث شرخ في المجتمع الكويتي، وهذا ما تعمل باستمرار حكومة الشيخ ناصر المحمد الأحمد الجابر الصباح على تجنبه. ويقول لي مسؤول في الحكومة الكويتية: «إننا لا نريد تضخيم الموضوع لأننا لا نريد استباق النتائج أو الأحداث، ولكي لا نؤثر في مجريات التحقيق. إننا ننتظر صدور بيان رسمي يوضح كل الأمور». أسأله: «لماذا لم يصدر نفي» فيجيب: «إن بيانا بالمطلق لم يصدر حتى الآن. لا تزال التحقيقات جارية وترفض الكويت إصدار بيان خال من الدقة وتحت وطأة الضجيج الإعلامي. كل ما صدر كان بيانا رسميا عن وزارة الداخلية نفى ضلوع أي مواطن كويتي في الخلية».

قبل الغزو العراقي المشؤوم للكويت، يذكر الكثيرون أن الكويت عانت كثيرا من حملة تفجيرات إرهابية، وتعرض موكب أميرها آنذاك الشيخ جابر الأحمد لهجوم، وكان المجتمع الكويتي يعيش على فوهة بركان، وأخبرني مرة مسؤول كويتي عاش تلك الأزمة وما تلاها أنه إذا كانت من إيجابية واحدة لذلك الغزو البغيض فهو أنه قضى على التناحر الطائفي والفئوي في المجتمع الكويتي، وعاد الكويتيون جسما واحدا. ويعترف الجميع للشعب الكويتي كله أن صدام حسين لم يجد كويتيا واحدا يقبل التعامل مع الاحتلال. لا أحد في الكويت يريد العودة إلى مرحلة ما قبل الغزو العراقي، فقد كانت مرحلة مشحونة للغاية، سببتها الحرب العراقية - الإيرانية، مرحلة تأججت فيها الصراعات الداخلية الكبيرة، وكل ما يهم القيادة الكويتية الآن حسب ما يبدو أن لا تكون الكويت لقمة سائغة يتلاعب بها بعضهم يمينا ويسارا، إنها تريد ترك الأمور في أيدي الجهات الرسمية المخولة لمعرفة بواطن الأمور، ومن ثم تخرج القيادة باستنتاجاتها.

وكان لوحظ أن كل ما صدر عن وجود واكتشاف شبكة تجسس تم تداوله في الصحف لم يصدر عن مسؤول رسمي كويتي. ولا يتفق الكثير من المسؤولين الكويتيين مع مقولة: لا دخان من دون نار في هذه الحالة، لأن النواب الذين أيدوا هذه المعلومات المتداولة، وطالبوا بأبعد منها إلى حد قطع العلاقات مع إيران، واستدعاء السفير الكويتي، وطرد السفير الإيراني، المعروف عنهم أنهم من المتطرفين الراديكاليين الذين لديهم في الأساس موقف مسبق ضد الشيعة، ولم يؤيد هذه المعلومات والشطحات أصحاب الإحساس العقلاني والمنطقي في الكويت، وهم كثر. لكن، إذا ثبت وجود شبكة تجسس إيرانية، وتبين ذلك من خلال التحقيقات العميقة، فقد تقوى اللحمة الكويتية كما العادة عندما يتهدد الكويت خطر خارجي، لأن المسألة لا تعود فئوية، بل يتبين أن دولة خارجية تهدد أمن الكويت، فتذوب عندها الخلافات الفئوية وتتلاشى أمام وحدة الكويتيين للدفاع عن المصالح الكويتية. وللوحدة الكويتية سوابق مشهودة، وهذا ما تحتاجه الكويت عندما تشتد الأنواء.