في مديح رجال مرحين

TT

بعد أن سمعا عن نقص في عدد العمال المزارعين داخل كاليفورنيا، قام الزوجان اللذان أنجبا بعد ذلك سوسومو إيتو بالانتقال من هيروشيما ليعملا مزارعين بالإيجار بالقرب من ستوكتون. ومن ثم بدأت قصة أحضرت أخيرا إيتو - 91 عاما - إلى متحف ذكرى الهولوكوست، حيث تم تكريمه مع 119 زميلا سابقا خلال أيام الذكرى السنوية كمحررين من معسكرات الاعتقال النازية. وبينما كانت وحدته العسكرية الأميركية اليابانية تسعف الناجين داخل داشو، بالقرب من ميونيخ، سُجن والداه وأختان له بمعسكر داخل أركنساس.

كان إيتو يذهب إلى مدارس الفصل الواحد، وتخرج في مدرسة عليا في السادسة عشرة من عمره وقبلته بيركيلي. ولكن، كان أبواه يعتقدان أن الأميركيين اليابانيين لا يمكنهم الترقي في المهن الحرفية، حتى داخل الخدمة المدنية، وهو ما كانت الجامعة ستؤهله للقيام به. ولذا ذهب إلى جامعة أهلية ودرس ميكانيكا السيارات، على الرغم من أنه لم يكن في استطاعته الانضمام إلى اتحاد الميكانيكية. وفي عام 1940، مرر الكونغرس تشريعا عن التجنيد الإلزامي، وكان إيتو راضيا بالانضمام إلى الجيش، وحسب أنها ستكون مغامرة. وحصل على ذلك الحق. وعلى الرغم من أنه يعاني قصر نظر و«فلات فوت» (قدمه مسطحة)، فقد انضم مع خمسة أميركيين يابانيين آخرين من ستكوكتون إلى الخدمة في فبراير (شباط) 1941. ولأن اليابانيين يحترمون خدمة أبنائهم في الجيش، فقد أقامت الجالية الأميركية اليابانية مأدبة على شرفهم، وأعطوا كل واحد منهم 35 دولارا. وبعد حادثة بيرل هاربر، أخذ الجيش «البنادق منا».

وعندما كان في تدريب داخل فورت سيل بأوكلاهوما، جرى اعتقال أبويه وإخوته، حيث نظر إليهم على أنهم يمثلون تهديدا أمنيا، أولا وضعوا في ممر سباق داخل كاليفورنيا، حيث ناموا في إسطبلات خيول على فرش من القش، وبعد ذلك في أركنساس. وبعد أن شعر بالملل من العمل ميكانيكيا عسكريا، وبسبب حماسته للحرب تطوع كي يكون جنديا مراقبا أماميا يبحث عن الأهداف في سلاح المدفعية، وهي المهمة التي تصاحبها معدلات إصابات مرتفعة واحتمالية كبيرة للتعرض للقتل.

وسرعان ما كان في الميسيسيبي، ومن هناك يتسنى له زيارة عائلته من حين إلى آخر من وراء الأسلاك الشائكة داخل أركنساس. وتدربت فرقة المشاة 442، المكونة من أميركيين يابانيين، في الميسيسيبي قبل نقلهم إلى أوروبا. وكان من بينهم دانيال إنوي، الذي يبلغ من العمر حاليا 85 عاما، والذي خسر ذراعه وحصل على ميدالية الشرف. وهو حاليا في الفترة الثامنة له داخل مجلس الشيوخ الأميركي. وبعد اختبار المعارك داخل إيطاليا، انتقلت الوحدة عبر فرنسا إلى عملية الإنقاذ الشهيرة لـ«الكتيبة الضائعة» من فرقة تكساس 36، التي حاصرها الألمان. وأصبحت الفرقة 442، التي أصيب وقُتل فيها 1000 فرد خلال عملية إنقاذ 175 فردا من تكساس، أكثر وحدة تحصل على أوسمة بالنسبة إلى حجمها في التاريخ الأميركي. وبحلول مارس (آذار) 1945، كانت الفرقة 442 في جنوب ألمانيا. وسريعا، كانت في داخاو. ويقول إدي إتشياما من سانتا كلارا بولاية كاليفورنيا، الذي كان هنا أخيرا، إنه يستطيع تذكر الرائحة المنتنة حتى الآن. وكانت الأفران لا تزال دافئة. وفي عربة قطار مسطحة، ما كان يبدو كألواح خشب، كان في الواقع جثث مجمعة.

ويتذكر نيلسون أكاجي، من مدينة سولت ليك، ضابطا «يختار» لاري لوبيتزكي، وهو يهودي ليتواني محرر، مترجما. وبعد الحرب ذهب السجين رقم 82123 من ألمانيا إلى القدس إلى كندا إلى مكسيكو سيتي، ومنها وصلت أكاجي مكالمة في 1992. وسيبحث أكاجي في أرشيفات متحف ذكر الهولوكوست عن معلومات جديدة عن لوبيتزكي. وبعد الحرب، انضم إيتو مجددا إلى مَن يحب، الذي فقد كل شيء. وأصبح أستاذا في التشريح وبيولوجيا الخلية داخل كلية الطب بهارفارد. وتقاعد في عام 1990، ولكن لا يزال يذهب إلى المعمل عدة أيام في الأسبوع. هؤلاء الأفراد المرحون يحرجون بلدا يتأجج بتنظيمات تشكو الكثير من المشكلات. لا تستفيد ثقافة الشكوى من رجال أمثال هؤلاء الذين خدموا بلدهم بصورة جيدة، بينما كانت تعامل عائلاتهم بصورة خسيسة. ولكن شرف كبير لهذا البلد أن يحبها مثل هؤلاء الرجال بهذه الدرجة.

يجذب متحف الهولوكوست قرابة مليونَي زائر من العالم، وهو عدد يفوق العدد المتوقع عندما افتتح قبل 17 عاما بأربع مرات. وتقول مسؤولة في المتحف: «تمثل الطبيعة البشرية عنصر دعم كبيرا»، وتعني السلوك الأثيم، وهو عنصر دائم في التاريخ البشري، يذكر الناس بالمتحف وما يرتبط به. ولذا من الرائع أن يكرم المتحف أمثال إيتو وأكاجي وإتشياما، الذين يضربون مثلا وقدوة للباقين.

* خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»