بعد الأمطار.. أفكار

TT

السعوديون كان لديهم حرص على متابعة الشأن الرياضي وقراءة تحليله بشغف، أضيف إليه بعد ذلك هوس متابعة محللي أسواق المال والاقتصاد، وبعدها كان للمشايخ ورجال الدين نصيب من كل ذلك. والآن يبدو أن الدور قادم على محللي أحوال الطقس ومقدمي النشرات الجوية، فبعد أن كان الطقس ثابتا ومعروفا بات مليئا بالمفاجآت. فوسط السعودية كان يعلم أن قدوم «المربعانية» يعني البرد القارس الشديد، وسكان سواحلها الغربية يعلمون أن دخول «الأسد» يعني أن الثوب يلصق على الجسد من شدة الرطوبة... وهكذا! ولكن أمطار جدة الهائلة التي نكبتها منذ أكثر من ستة أشهر ولحقتها من بعدها أمطار تبوك الشديدة وغير المسبوقة في قوتها على المنطقة، ولتلحقها أمطار مرعبة على جنوب البلاد، وأخيرا كانت أمطار هذا الأسبوع في العاصمة، الرياض، التي تركت الناس مصدومة ومرعوبة من كثافة المياه والبرد والرياح والأغبرة في مدة زمنية مركزة، مما يؤكد أن هناك «مناخا» جديدا دخلت فيه السعودية، وبالتالي البنية التحتية القديمة للتعامل مع الغبار والرياح والأمطار لم تعد ملائمة.

وإذا كانت المواصفات القديمة التي وضعت للمشاريع التأسيسية والخاصة بشبكات تصريف مياه الأمطار تبدو ملائمة لنسب مياه أمطار تقديرية بناء على إحصاءات وقت مضى، فإن اليوم المسألة باتت بحاجة لإعادة النظر وبشكل فوري. وما ينطبق على الشبكة يجب أن ينطبق على مواصفات الجسور والأنفاق والكباري؛ فمن الواضح أيضا أن الخامات والمواد الأولية المنصوص عليها من قبل الاستشاريين لا «تتحمل» التعامل مع أمطار وبرد ورياح بكثافة كبيرة. فكرة الطوارئ وثقافتها من المفترض أن تكون جزءا أساسيا في منظومة تخطيط المدن الحديث، وبالتالي لم يعد مقبولا «التضارب» في الأقوال والتصريحات بين عناصر من الدفاع المدني والأرصاد في «استبيان حال الأحوال الجوية» ولا التضارب بين المرور والصحة في توضيح «حالات الوفاة»، لأن كل ذلك لن يؤدي إلا إلى المزيد من القلق إزاء كل بيان رسمي صادر، وهذا بحد ذاته دافع غير مباشر للمزيد من الحوادث، وبالتالي الضحايا. الحديث عن «التغيير المناخي» و«أحجام» ومنسوب المياه المتدفقة من السماء هو مفتاح بدايات الحل.. ضرورة الاعتقاد أن هناك تغييرا في مناخ البلاد بسبب تغيير عالمي هائل حاصل، نوعية الأمطار وحجمها وكثافتها وحدتها والرياح والبرد المصاحب لها بحاجة لأن يراعى، وهناك دول تتعرض لنفس النوعية من المناخ وبات لديها مواصفات قياسية استثنائية تقلل من أحجام الضرر على المواطن والمركبة والسكن والمتجر. مواصفات الأرصفة والرصف والسفلتة والإنارة والزجاج والخرسانة الجاهزة بات من المفترض أن تتغير، وسياسة اعتماد السعر «الأرخص»، وهي التي دمرت الكثير من المشاريع العظيمة النوايا، يجب التخلص منها؛ لأنه من المفروض أن تكون هناك تفرقة بين الثمن والتكلفة، فالفرحة بالسعر الأرخص لفترة سريعة من الزمن تنتهي بأن تكلفتها أكبر على مر الوقت والزمن، وكما قيل في القديم الغالي رخيص.

بمعنى آخر لا بد من الاعتماد على سياسة المواصفات وليس على سياسة السعر فقط. الأمطار التي تحل على البلاد وتسبب الذعر والهلع هي فرصة كبيرة لمراجعة شاملة ولإصلاح الكثير من العلل والقصور والبناء على ما أنجز، وبذلك تكون «رب ضارة نافعة».

[email protected]