واقعة سقوط محمود من فتحة كوبري الساحل

TT

ستظل الأمور على هذا المنوال هكذا إذن! الطفل محمود محمد محمود يسير مع أمه على الجسر قبل الفجر في هرولة السعي لإنقاذ أخيه الرضيع المصاب بالحمى سندا لها في اللحظة الصعبة المظلمة، لا ينظر تحت قدميه ليرى المدى الذي وصل إليه الإهمال المجرم لمسؤول ترك فتحة عريضة كافية لابتلاع محمود وخطفه من أمه إلى جوف النيل مباشرة، ليجده أبوه بعد يوم حزين طافيا رافعا يديه طالبا النجدة ممن لم يعد بمقدورهم إغاثة أحد!

الموت حق ولكل أجل كتاب، نعم! لكن الظلم كفر، والحداد لا يكون حزنا على الضحايا الشهداء فحسب، فهو غضب من الظلم الذي حاق بهم ويحيق بنا والمجسد في الحوادث المتكررة ببشاعتها على كل الأصعدة، منهجا يتقن الإهمال ويعممه كأنه من مقاصدنا القومية وأهدافنا العليا التي نبذل من أجلها الجهود!

من المسؤول؟ المسؤول هو المسؤول غير المسؤول!

مللنا التساؤل، ومللنا الإجابة، ومللنا الحزن غير المجدي والأسف العقيم.

لم يعد خافيا أننا، أهل مصر هذا البلد العظيم، لا يحسب حسابنا أحد.. يصرخ الناس والمستمعون في صمم، فالاستماع لا يعني الإنصات، والإنصات لا يعني التلبية.

متروكون نحن للتصرف، عشوائيا، في حلول لمآسينا ومشاكلنا، وإن لم نصل لها نتعايش معها بالطول أو بالعرض أو نخبط رأسنا بالحائط وإن كان عاجبنا!

السيارات والحافلات والقطارات تندفع كاسرة الأصفر والأحمر، ولسان حال السائقين: «لازم أدوسك»!.. والناس لا يأبهون ولسان حالهم يرد: «ما تدوس»!

الشارع بكل أسلاك الكهرباء العارية المتدلية عناقيد هلاك تصعق من تشاء وقتما تشاء، والبلاعات من تحتها فاغرة أفواهها تبتلع، هي الأخرى، من تشاء وقتما تشاء. هذا إن لم تنخسف الأرض هبوطا مروعا وتتساقط البنايات أو تنزل منها وسائل القتل العاجل: شرفة، شباك، جهاز تكييف أكله الصدأ، أما الزحلقة من سلالم الكباري العلوية والأنفاق السفلية لعبور المشاة فلا يكذبني فيها أحد وأنا من ضحاياها. ولن أذكر الحرائق المتواصلة ولا القمامة المتراكمة ولا أنهار الصرف الصحي المتلاحقة، فالإنشاد مع هذا الموال لا ينتهي.

في ظل الاحتلال الإنجليزي، كانت إدارة الاحتلال تهتم بمرافق البلاد، طبعا ليس من أجلنا نحن الشعب المصري، ولكن من أجل سلامة وراحة جنودها، وكان ينالنا من هذا الاهتمام بعض الفائدة. كانت دوريات من البلدية تطوف وتفحص وتعدل المائل وتمنع الأخطار، فلا بالوعة مفتوحة، ولا سلك كهربائيا عريان. ذلك بالطبع، وأكرر، من أجل حماية جنودها السكارى، وهم يترنحون في طرقاتنا. كانت سلطة الاحتلال تحمي جنودها بمواردنا وبعمالنا، ولم تفكر في استجلاب عمالة من خارج مصر لجمع القمامة وتلميع فوانيس النور وإضاءتها، ولست بحاجة إلى وصف العناية بالقطارات فأفلام السينما المصرية القديمة كانت «تتعايق» بها لجمالها ونظافتها وسلامتها قبل كل شيء!

متى يرتفع الاهتمام بالمواطن المصري إلى قدر الاهتمام بعسكري سلطة احتلال في حالة سُكر بيّن؟

المشكلة ليست إدارات فاسدة: الواضح أنه ليست هناك إدارات على الإطلاق. لذلك ليكن شعارنا من الآن فصاعدا: «الذي يخاف على نفسه ينتبه»!