الجيل الجديد من الإرهاب

TT

في هذه المرة، تولى الأمر اثنان من الباعة المتجولين، لاحظا سيارة «إس يو في» محركها يعمل والمصابيح تضيء وتطفئ، وأخبرا الشرطة قبل أن تنفجر. وفي إجازة أعياد الميلاد، كان راكب طيارة هو الذي تعامل مع مفجر انتحاري يرتدي أداة تفجير في ملابسه الداخلية.

تنفق الحكومة الفيدرالية مليارات الدولارات، وتشارك في حربين من أجل القضاء على الأعداء الإرهابيين، ولكن عندما يتعلق الأمر بوقف مفجّرين انتحاريين يسقطون من الشبكة، يكون الأبطال مواطنين عاديين يتّبعون نصيحة تقول: «إذا رأيت شيئا ما، فلتقل شيئا ما».

وبدلا من العيش في حالة رعب وبدلا من «حرب عالمية ضد الإرهاب» كما حدث بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001، اتخذ الرئيس الأميركي باراك أوباما منحى محسوبا بدرجة أكبر يوم الثلاثاء، وقال: «لن يرهبنا ذلك، ولن نخاف ونشعر بالجبن. ولن يروعنا شيء». وكان عمدة نيويورك مايكل بلومبرغ على صواب عندما أكد: «لن نسمح بتمييز أو أي رد فعل ضد سكان نيويورك المسلمين أو الباكستانيين».

ويقول خبير أميركي مختص بمكافحة الإرهاب إن محاولة التفجير في ميدان تايمز لقطة من المستقبل: كانت مؤامرة لجيل جديد من الإرهابيين أجهضها مزيج من المراقبة عالية التقنية ومواطنان حذران. هذا هو العالم الذي سنعيش فيه لأعوام، ولا نستطيع إلا أن نأمل أن يوجد أميركيون آخرون على وعي مثل البائعين المتجولين في نيويورك.

لقد حذّر محللون من المركز القومي لمكافحة الإرهاب على مدار أعوام كثيرة من أن التهديد الإرهابي يتغير، ويرجع ذلك بصورة جزئية إلى النجاح الأميركي في القضاء على القيادة العليا في تنظيم القاعدة. وكان لدى هذا التنظيم نظام قيادة وسيطرة محكم ونظام دقيق لاختيار الأهداف وتنفيذ العمليات. ولكن، الجيل الجديد أكثر تسيبا وإهمالا، وينفذ عمليات غير مركزية بوتيرة أقل ويلحق ضررا أضعف. ولكن زادت صعوبة العثور على الإرهابيين، كما أن محاكاة المخططات باتت أسهل.

وأوضح مسؤول أميركي في مجال مكافحة الإرهاب: «ثمة تراجع، فالقالب القديم من القيادة والسيطرة المركزية لم يعد مسيطرا. وتوجد تنظيمات تابعة تعمل مستقلة عن (القاعدة) في باكستان، وأظهرت التنظيمات القدرة على العمل بكفاءة عالية وتنفيذ عمليات مميتة بدرجة كبيرة في مناطقهم ودولهم. ولكن، كانوا في بعض الحالات أقل فعالية عندما يمضون خارج حدود وطنهم».

لقد كانت مؤامرة ميدان تايمز مؤامرة هواة، حيث استخدم فيصل شاه زاد، المتهم بتدريب المؤامرة، مفرقعات نارية «إم - 88» لتفجير صهريجه الذي يحتوي على خليط من البروبان والبنزين والأسمدة. واستخدم منبهات رخيصة كمؤقت. وأزال رقم تعريف سيارة نيسان باثفيندر من على لوحة أجهزة القياس، ولكنه نسي الرقم المطابق الموجود على المحرك.

ولا يجب أن تكون حرفية المفجر المحتمل الضعيفة شيئا مطمئنا، فالجهاديون يتعلمون من أخطاء بعضهم. وسيقومون بتحليل كل خطأ حدث في عملية ميدان تايمز وكل تقنية ناجحة استخدمتها هيئات الاستخبارات وهيئات تطبيق القانون.

وكانت شرطة مدينة نيويورك سريعة في إبطال مفعول المفجرات داخل السيارة، لتؤكد سمعتها كإحدى القوات البارزة في مجال مكافحة الإرهاب في العالم. وكان أداء الهيئات الاستخباراتية العالية الكفاءة جيدا أيضا، حيث إنها حددت شاه زاد وألقت القبض عليه قبل أن يتمكن من الهرب.

وهذه المرة تم الربط بين النقاط: سألت سلطات الهجرة الأميركية شاه زاد عندما عاد من رحلته الأخيرة إلى باكستان وحصلت على معلومات مفصلة، وعلى الرغم من أنه استخدم هاتفا جوالا يمكن التخلص منه، كان مكتب التحقيقات الفيدرالي قادرا على ربط الرقم بعملية شراء السيارة باثفيندر: وقاد تحليل اتصالات الهاتف وأماكنها إلى شاه زاد. وبعد إضافة اسمه إلى قائمة الممنوعين من السفر يوم الاثنين، أُنزل من طائرة كانت متجه إلى دبي. وهذه هي الطريقة التي يفترض أن تسير عليها الأمور، ولكن لن تكون النقاط متجمعة بهذه الدرجة على الدوام.

وسوف تتحول الشبكة إلى باكستان، حيث نشأت المؤامرة. وألقت الاستخبارات الباكستانية فعلا على بعض الأشخاص الذين يعتقد أنهم كانت لهم اتصالات مع شاه زاد هناك، وقال مسؤول استخباراتي لي يوم الثلاثاء إن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية «تحشد كل اتصالات ممكنة في الخارج».

لقد فشلت هذه المؤامرة، ولكن لن تكون أميركا محظوظة على الدوام. ويعمل تنظيم القاعدة والتنظيمات التابعة له بجد من أجل تجنيد إرهابيين يمكنهم العمل داخل الولايات المتحدة، وقريبا أو بعيدا سينجح أحدهم. ولا يكون اختبار قدرة البلاد على العودة إلى الحال الجيدة عندما يُفسد إرهابي المهمة ويثني الناس على أنفسهم، ولكن عندما تنفجر القنبلة.

*خدمة «واشنطن بوست»