جزاء الأمانة

TT

أروع الأخطاء هي الأخطاء البنكية - خصوصا إذا كانت تلك البنوك من النوع (المفتري) - فأغلب البنوك في عالمنا العربي هي «كالمنشار»، طالع آكل نازل آكل، حتى نشارة الخشب المتساقطة من جراء ذلك النشر «تلهفها» ولا تبقي منها «فتفوتة» واحدة، ومع ذلك لا تصاب بعسر الهضم، ولا تعرف عن الأعمال الخيرية أو الإنسانية إلا القليل. وقبل مدة حصلت غلطة بنكية (مباركة)، إذ دخل في حساب أحدهم مبلغ مجز في خانة «الملايين»، ولا أريد وليس من حقي أن أذكر اسم ذلك الشخص ولا من أي جنسية يكون، المهم أنه ما صدق على الله وهو يرى هذا المبلغ الذي لم يحلم في حياته بأن يحصل على «عشر معشاره» بكل بساطة يقدم له على طبق من ذهب. كاد يجن، ومن شدة فرحته سالت «سعابيله»، فما كان منه أن «يفرتك» المبلغ سريعا لكن بطريقة ذكية وعقلانية، فاشترى به كله عقارات وأسهما، متوقعا أن البنك سوف يكتشف خطأه يوما ما، وفعلا حصل ما توقع لكن بعد أشهر من ذلك، في هذه الأثناء كان قد وكل محاميا لوذعيا لكي يؤخر الحكم أطول وقت ممكن، طبعا في النهاية حكم للبنك فأعاد هو كامل المبلغ، لكنه في المقابل كان قد ربح منه باستثماره في العقارات والأسهم مبلغا لا يقل عنه، وما زالت قضية الأرباح هذه تدور في أروقة المحاكم بين أخذ ورد، فهل هذا يعتبر شطارة أم لصوصية؟!

لكن دعونا نقف على حادث آخر مشابه بطله رجل يجب أن يشار له بالبنان ويستحق أن نذكر اسمه، وهو «هشام عباس» من السودان الشقيق، يعمل موظفا بسيطا في إمارة عجمان بدولة الإمارات براتب قدره خمسة آلاف درهم ليصرف على ولديه اللذين يدرسان في كلية الطب، وفجأة وجد في حسابه مبلغا لا بد أن أحدده بالتفصيل وهو «خمسة ملايين و196 ألفا و881 درهما» بالتمام والكمال.

وذهب ذلك الرجل الأمين للإدارة ليلفت نظرهم إلى ذلك الخطأ أو الالتباس، فما كان من البنك إلا أن يلجأ إلى تجميد الحركات على الحساب، لحين خصم واسترداد المبلغ منه.

وأكد السيد هشام أنه لم يتلق أي شكر أو اعتذار عما حدث من أي مسؤول في البنك.

وقال: «لا أريد مكافأة على أمانتي، فالمال ليس من حقي، لكن مبادرتي تستحق على الأقل اعتذارا عن تجميد حسابي».

والغريب أن مسؤولي البنك رفضوا التحدث حول الموضوع معتبرين أن الحديث به تشهير بالبنك ويقلل من كفاءته في نظر عملائه. هذا ما قرأته عن هذه الحادثة في الأخبار، ويا ليتني أعرف اسم ذلك البنك لأكون أول من يشهر به.

وقد حدثت لي حادثة ليست مشابهة لحوادث البنوك، لكنها تلتقي معها بالمادة (النقدية)، فعندما وصلت إلى بلد خارجي، ذهبت رأسا من المطار إلى فندق قد حجزت فيه، وما إن دخلت مع شنطتي الغرفة، حتى رميت حالي على السرير وتقلبت عليه لمدة دقيقة كعادتي، ثم وقفت، وما إن فتحت الدولاب حتى وجدت صندوق الأمانات مفتوحا وفيه مبلغ يزيد قليلا على «ألف دولار»، وتأكدت أن الساكن قبلي قد نسيه، واتصلت بالريسبشن أسألهم عن اسمه فرفضوا ذكر اسمه، وعرفت منهم أنه قد غادر منذ يومين.

وجلس المبلغ في حوزتي طوال مكوثي في الفندق، وفي كل ليلة قبل أن أنام أعده وأنا «اتحرقص» بين نارين، نار نفسي التي تقول لي: حلال عليك يا ولد اصرف أبو جده، ونار ضميري الذي يقول لي: عيب عليك يا طماع فهذه النقود ليست لك، أبعد يدك عنها يجعل لها الكسر. للأسف انتصر الضمير في النهاية، وفي آخر يوم وأنا أدفع الحساب ذكرت لهم ما حصل وقدمت لهم المبلغ، وحاولت معهم أن يعملوا لي خصما مجزيا نتيجة لأمانتي، لكنهم رفضوا.

والآن بدأت نفسي تلومني وتتشمت بي.

[email protected]