إسلام (السعوديين).. قال الله.. قال رسوله: الكتاب والسنة

TT

إن الإسلام الذي يُلزَم المسلم باتباعه هو: قال الله، قال رسوله فحسب، ولا يصح - قط - رفع كلام أحد من الناس - مهما علا شأنه - إلى مرتبة الإسلام في الإلزام والاتباع.

وهذا الإسلام - الكتاب والسنة - هو المعول عليه في خطاب التكليف، وصحة الإيمان، وقبول العمل والسلوك والخلق، والمسؤولية عن ذلك كله في الدنيا والآخرة:

أ- ((يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم)).. ومن مفاهيم الآية: أن من موجبات الإيمان: ألا يقدم المسلم رأيه - ولا رأي غيره - على قال الله، قال رسوله.

ب- ((قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم. قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين)).

وللعقل وظيفته ها هنا. فإن المسلم يؤمن بالله ويحبه ويعبده ويطيعه لأنه وحده - سبحانه - هو الذي خلقه وأمده بصنوف النعم وهو - وحده - الذي هداه إلى الإسلام: ((الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله)).. والمسلم يتبع الرسول ويطيعه لأنه (رسول الله) الذي يبلغنا بمراد الرب من وجودنا وحياتنا ومصيرنا.

وهذا هو إسلام المسلمين الصالحين في العصور كافة.

والسعوديون مسلمون من المسلمين - ليس لهم إسلام خاص بهم -: يؤمنون بأن الإسلام: قال الله قال رسوله. ولئن دافعنا ودافع كثيرون عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب، فلأن الرجل ظُلم وافتُري عليه من قبل، وفي هذه الأيام.. والدفاع عن علماء الإسلام مسؤولية كل قادر على الدفاع.. ولقد دافعنا من قبل عن أحمد بن حنبل، وابن تيمية، والشاطبي، وأبي حنيفة، والبخاري وغيرهم.

ندافع عنهم - بمقياس الإنصاف الأخلاقي الواجب - ولا نغلو فيهم، ولا نرفعهم فوق أقدارهم.

وإلا فإن المرفوع ذكره في العالمين هو النبي الخاتم المعصوم محمد صلي الله عليه وآله وسلم: ((ورفعنا لك ذكرك)). وإلا فإن (قال الله قال رسوله) هي المصدر الدستوري الملزم للسعوديين، كما هو المنهج الملزم للمسلمين كافة: في كل زمان ومكان. في مداخلة فكرية في جريدة (الحياة) حول ما قاله الأمير سلمان بن عبد العزيز في ذات الجريدة عن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ودفاعه المنصف المتزن عن الشيخ قلنا: ((لقد صك بعض المستشرقين المتحاملين مفردة (التفسير الوهابي للإسلام).. ومن الغريب جدا أن يردد هذه المفردة عرب ومسلمون !.. وفي حقيقة الأمر ليس هناك شيء اسمه (التفسير الوهابي) للإسلام. فالشيخ محمد بن عبد الوهاب نفسه ارتكز على فهم الأئمة الأربعة للإسلام - عقيدة وشريعة -، ولا سيما الإمام أحمد بن حنبل ثم رموز مدرسته كابن تيمية وابن القيم.. والتفاسير المعتمدة لدى السعوديين منذ قامت الدعوة وإلى يوم الناس هذا هي:

1- في مجال تفسير القرآن: يرجع السعوديون إلى تفاسير الطبري وابن كثير وابن عطية وابن العربي والقرطبي ونظائرها وهي تفاسير يرجع إليها معظم المسلمين في العالم كله.. وأصحاب هذه التفاسير ليسوا (وهابيين) قطعا.

2- في مجال السنة والحديث يعتمد السعوديون الكتب الستة المشهورة، كما يفضلون شرح ابن حجر لصحيح البخاري، وشرح النووي لصحيح مسلم.. وأصحاب الكتب الستة وشراحها ليسوا (وهابيين) قطعا.. فأين (التفسير الوهابي) للإسلام، والحالة هذه ؟!

ولقد شعرنا أن هذه النقطة تتطلب مدّا وإشباعا وتأصيلا في مقال مستقل هو هذا الذي بين يدي القراء الآن. إن المملكة العربية السعودية تُحكَم بدستور مفصل هو (النظام الأساسي للحكم).. وليس في هذا النظام إلا إسلام (قال الله. قال رسوله).. نعم.. نعم. ليس فيه رائحة مذهبية، ولا طائفية، ولا حزبية. ولا أيدلوجية من أي نوع.

ومن أراد البراهين القاطعة الساطعة على هذه الحقيقة، فليقرأ - معنا -: المواد المتعلقة بـ (مرجعية) قال الله، قال رسوله في هذا النظام الأساس الذي يحكم المجتمع والدولة السعوديين: 1- المادة الأولى: ((المملكة العربية السعودية دولة عربية إسلامية، ذات سيادة تامة، دينها الإسلام، ودستورها كتاب الله تعالي، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم)).

2- المادة السادسة: ((يبايع المواطنون الملك على كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم))

3- المادة السابعة: ((يستمد الحكم في المملكة العربية السعودية سلطته من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وهما الحاكمان على هذا النظام وجميع أنظمة الدولة)).

4- المادة الثامنة: ((يقوم الحكم في المملكة العربية السعودية على أساس العدل والشورى والمساواة وفق الشريعة الإسلامية)).

5- المادة التاسعة: ((الأسرة هي نواة المجتمع السعودي، ويربى أفرادها على أساس العقيدة الإسلامية)).

6- المادة الثالثة عشرة: ((يهدف التعليم إلى غرس العقيدة الإسلامية في نفوس النشئ وإكسابهم المعارف والمهارات وتهيئتهم ليكونوا أعضاء نافعين في بناء مجتمعهم، محبين لوطنهم، معتزين بتاريخهم)).

7- المادة الثالثة والعشرون: ((تحمي الدولة عقيدة الإسلام، وتطبق شريعته. وتأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر وتقوم بواجب الدعوة)).

8- المادة الخامسة والأربعون: ((مصدر الإفتاء في المملكة العربية السعودية: كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم)).

9- المادة السادسة والأربعون: ((القضاء سلطة مستقلة، ولا سلطان على القضاة في قضائهم إلا سلطان الشريعة الإسلامية)).

لو فتش أحد بكل مقرب ومكبر عن نقطة واحدة في هذه النصوص الدستورية تشير إلى المذهبية أو الطائفية لن يجدها قط.. لماذا ؟.. لأن المرجعية العظمى والأولى للسعوديين - مجتمعا ودولة - هي (قال الله.. قال رسوله) في الحالتين كلتيهما:

أ- حالة إمضاء ما هو واجب الإمضاء: بمحبة ورضى: ((فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما)).

ب- حالة الرد إلى المرجعية عند الاختلاف أو التنازع: ((فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر)).

ومنهج تجريد الاتباع للكتاب والسنة - وحدهما - هو منهج الأئمة الكبار.. يقول الإمام الشوكاني: ((إن عبارة اتركوا قولي لكتاب الله وما صح عن رسول الله قد صحت نسبتها إلى كل واحد من الأئمة الأربعة: أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل)). وهذا التجريد هو الأليق ببلد يتولى شؤون الحرمين الشريفين والذي ينص دستوره في مادته الرابعة والعشرين على أن ((تقوم الدولة بإعمار الحرمين الشريفين وخدمتهما وتوفر الأمن والرعاية لقاصديهما، بما يمكن من أداء الحج والعمرة والزيارة بيسر وطمأنينة)).. فهذا البلد (السعودية) الذي ينهض بهذه المهمة الإسلامية العالمية الكبرى إنما تتسع جغرافيته وصدره وإدارته وأخلاقه للمسلمين أجمعين، على مختلف مذاهبهم وطوائفهم وطرقهم واتجاهاتهم بمقتضى الإسلام العام الجامع الملخص في (قال الله، قال رسوله) فحسب.

ونلحظ - في هذا السياق - مفهومين تناهيا في السعة والواقعية في الحديث النبوي العظيم: ((أحصوا لي كل من تَلفّظ بالإسلام)): مفهوم الاحتفاء بكل من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله.. ومفهوم اعتماد منهج (الجمع) والولاء.. لا منهج (الطرح) والإقصاء فيما يتعلق بأمة المسلمين.