من بلفاست إلى بغداد إلى برودواي: مكافحة الصور المميتة للإرهاب

TT

في حين أنه ليس من المؤكد حتى الآن من الذي نظم محاولة تفجير سيارة في ميدان التايمز في نهاية الأسبوع الحالي، فإن هذه الحادثة تشير إلى التطبيق المحلي للأساليب الإرهابية المألوفة التي قد يكون من الصعب إحباطها مقارنة بالأساليب التي عرفها جهاز الأمن الداخلي في الولايات المتحدة عقب الحادي عشر من سبتمبر (أيلول).

كما أن خبراء الإرهاب غير قادرين على تحديد السبب بشكل قاطع وراء أن الإرهابيين الإسلاميين لم ينجحوا في تحقيق ضربة كبيرة في الولايات المتحدة منذ هجمات 2001. قال البعض إن العقلية التدميرية للإرهابيين ورؤيتهم الدينية «لنهاية العالم» تتطلب عملية قوية على الأقل مثل هجمات الحادي عشر من سبتمبر. ويقول البعض إن جهود مكافحة الإرهاب في الفترة الراهنة جعلت الجماعات الإرهابية غير قادرة على القيام بمثل هذه العملية، وإن هذه الجهود تحمي أميركا من التعرض لتكرار هجمات الحادي عشر من سبتمبر بمجرد أن يستعيدوا قدرتهم.

بيد أن محاولة ممارسة أسلوب إرهابي أقل تدميرا في نيويورك قد تدحض هذا التفسير. وفي حين أننا لم نر أي هجوم مروع في قوة تدميره مثل الهجوم على برج التجارة العالمي، فإن تنظيم القاعدة وأتباعه قد قتلوا مزيدا من الأشخاص، أميركيين وغير أميركيين، باستخدام صور متعددة من العبوات البدائية الناسفة في مناطق الحروب وفي مواقع تتمتع بالسلام ظاهريا. وقد كان 65 في المائة من الخسائر في صفوف الجيش في العراق وأفغانستان جراء تفجير العبوات البدائية الناسفة، حسبما ذكرت صحيفة «آرمي تايمز» العام الماضي. والكثير من هذه المتفجرات، مثل العبوة الناسفة في ميدان التايمز، تم تفعيلها أو وضعها في سيارات؛ والكثير من الهجمات الأكثر تدميرا التي قام بها تنظيم القاعدة من عام 2001 - مثل التفجيرات التي أسفرت عن مصرع 202 شخص أغلبهم من السياح في بالي عام 2002 - تم استخدام مثل هذه المتفجرات فيها.

وانتشرت التكتيكات التي يستخدمها الإرهابيون نظرا لنجاحها؛ انظر إلى عدد الطائرات المختطفة بين ستينات وسبعينات القرن الماضي. وفي هذه الأيام، تناسب العبوات البدائية الناسفة المحمولة على السيارات الميادين في المدن، والتي يعد فيها وجود السيارات شيئا مألوفا وغير واضح، وتعني الكثافات السكانية بها وقوع أعداد كبيرة نسبيا من الإصابات. ولن يغفل هذه النقاط قادة الجهاديين ومساعدوهم الطامحون.

حتى لو كنا لا نعرف حتى الآن من يقف وراء هذه المحاولة - على الرغم من أن مسؤولين أميركيين وصفوها بأنها نشاط إرهابي، وادعى أحد القادة البارزين في حركة طالبان في باكستان المسؤولية وراءها - فإننا نعرف أن تنظيم القاعدة هو تنظيم براغماتي ومستعد لتكييف نفسه. وعلى الرغم من أن «القاعدة» قد تصف «القيمة المذهلة» للهجمة الكبيرة القادمة على أميركا بأنها ثمينة، فإن فاعلية التحركات الأميركية لإحباط مثل هذا الهجوم من المحتمل في نهاية المطاف أن تجبرها على خفض سقف توقعاتها. وربما تكون «القاعدة» قد خفضت من توقعاتها في الفترة الحالية. وكانت محاولة تفجير طائرة أميركية في يوم عيد الميلاد بكل تأكيد عملية أقل طموحا وتعقيدا من هجمات الحادي عشر من سبتمبر، أو هجمات مدريد عام 2004، وتفجيرات مترو أنفاق لندن عام 2005، ومؤامرة هيثرو عام 2006. حتى وإن لم تتراجع الجماعة الأم عن الهجمة التدميرية الكبيرة، فإن جهود مكافحة الإرهاب في باكستان أرغمتها على نقل سلطة التنفيذ إلى الجماعات التابعة في المنطقة والإرهابيين الطموحين من الداخل الذين يتمتعون بالحرية، إن لم يكونوا مشجعين، لاستخدام أساليب تتطلب مهارات أقل من الناحية التنفيذية. وهذا النوع من حرب المدن تم استخدامه منذ فترة طويلة وتطويره في أماكن مثل بلفاست وبيلباو، وتم صقله بعد ذلك وتوسيع نطاقه في العراق وأفغانستان، مع ظهور المتفجرات الخارقة للدروع والقنابل المضادة للدبابات، والتي تعد أصغر حجما وأكثر دقة من السيارات المفخخة وقد يكون من الصعوبة اكتشافها.

وسيكون من الخطأ بالنسبة لأهداف «القاعدة» اعتبار ذلك التغيير التكتيكي نوعا من النصر. وعلى الرغم من أن الأساليب القديمة مثل السيارات والحافلات المفخخة ليست فتاكة على نطاق واسع مثل الأساليب الجديدة - مثل تحويل الطائرة المختطفة إلى صاروخ موجه أو تفجير قنبلة إشعاعية أو قنبلة ذرية صغيرة - فإنها تعني في المقام الأول أن الجهاديين شرعوا في التفكير في مزيد من الهجمات الإرهابية المألوفة التي يسهل إلى حد كبير تنفيذها والإفلات من العقوبة بعدها. وهذا النوع من المنطق لاقى إقبالا من جانب الجيش الجمهوري الأيرلندي المؤقت في أيرلندا الشمالية أثناء حملته لتوحيد أيرلندا، ومن جانب جماعة الباسك الانفصالية «يوزكادي تا أسكاتاسونا» («وطن الباسك وحريته») في إسبانيا. وهذه الجماعة، التي تطورت إلى منظمات على قدر عال من القوة والمهارة، تحدت النظام المدني، وشلت المجتمع لعقود من الزمان، وقتلت ما يقرب من 2200 و1000 فرد على التوالي.

ومن الممكن أن يؤدي وجود حملة إرهابية ضخمة في المدن إلى إحداث اضطراب كبير في المجتمع الأميركي مثل الذي أحدثته هجمات الحادي عشر من سبتمبر، إن لم يكن أكبر. وفي الوقت الذي تعلمت فيه قوات الأمن البريطانية والإسبانية الدرس، فإن هناك توازنا ضعيفا بين اليقظة والخوف، والمرونة والإفراط في الاستعداد، والإنفاذ الشديد للقانون ووجود دولة بوليسية. ومنذ عام 2001، حققت إدارة الشرطة في نيويورك هذا التوازن على نحو رائع. وكما أشار العمدة مايكل بلومبرغ في نهاية الأسبوع الحالي، كان سكان نيويورك محظوظين لأن القنبلة كان بها خلل. بيد أنه ليس فقط إدارة الشرطة في نيويورك هي التي قد تكون في حاجة إلى أن تتكيف على مجموعة جديدة من التهديدات. فلحسن الحظ، لدينا خبرة وحكمة أوروبية لنبني عليها.

* ستيفن سيمون باحث بارز في مجلس العلاقات الخارجية الأميركية.. وجوناثان ستيفنسون أستاذ الدراسات الاستراتيجية في كلية الحرب البحرية الأميركية

* خدمة «واشنطن بوست»