أبشر شاربي!

TT

ضربة حرة مباشرة، وأخرى غير مباشرة. بث حي مباشر للمباراة الرياضية أو الحدث المهم، ونقل غير مباشر - أو مسجل - لحدث ما على جهاز التلفزيون. حوار مباشر مع شخصية ما - وهي تعني وجها لوجه -. مصطلحات حديثة، واستخدامات جديدة لكلمة «مباشر» باللغة العربية. فكلمة «مباشر» غير موجودة بالقواميس العربية لتعني وجها لوجه، ولا لتعني حيا على الهواء؛ فالكلمة مشتقة من «بَشَر»، ومنها تأتي «البشرى»، بمعنى: الخبر السار، ووردت في القرآن الكريم بسورة يوسف حين عثرت عليه قافلة في البئر، حيث ألقاه إخوته: «وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ»، ومن الأسماء العلم: «بِشْر»، كما انتشر اسم «بُشْرى» كاسم علم مؤنث، بينما انتشر «بِشَارة» كاسم علم مذكر، وخاصة بين المسيحيين العرب؛ لأن «البشارة» هي الإنجيل في اليونانية. ومنها جاءت كلمة «التبشير ونشر المسيحية»، و«ابن البَشَر» هو السيد المسيح - عليه السلام - في معتقد المسيحيين.

ويقول أهل الخليج: «باشِر على الضيوف» أي: رحب بهم وأحسن ضيافتهم، و«أبو بشير» بالخليج وفي جنوب العراق أيضا هو حشرة «اليعسوب»، وسمي كذلك لأنه يبشر بالمطر والربيع.

«والبشارة وأبشّرك» كنا نسمعها صغارا، بمعني «أعطني بشارة أولا، فأزف لك بشرى سعيدة» و«بشَّر بالخبر»، أي: قاله، وغالبا ما يكون سعيدا.

وغنى الفنان الراحل طلال مداح: «يا من يبشرني ويبشر بالبشارة، بالحبيب اللي غرامه سمّ حالي».

لكن التبشير بالأنثى كان خبرا سيئا لدى رجال العرب قبل الإسلام - وما زال كذلك عند البعض منهم بعده - بل كانت العرب تدفن الأنثى وتئد البنات حتى حرم الإسلام ذلك؛ قال تعالى: «وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ».

لم يذكر لنا التاريخ رأي المرأة ولم يصور لنا شعورها في ذلك الوقت حين يأخذ الأب ابنته من بين يديها ليهيل عليها التراب حية!!

بل إن خصوم النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، عايروه بأنه أبتر: «إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ»، وذلك بعد وفاة ابنيه وانقطاع ذريته من الذكور.

لا أفهم كيف يمكن أن تكون هناك مفاوضات غير مباشرة بين العرب وإسرائيل في عصر الانفتاح والعولمة؛ ماذا تعني المفاوضات غير المباشرة؟ إن كانت توحي بعدم اعتراف طرف بطرف آخر، مثل الحديث عن مفاوضات غير مباشرة بين سورية وإسرائيل عبر الوسيط التركي؛ فإن مفهوم غير المباشرة هذا لا ينسحب على السلطة الفلسطينية التي تعترف بإسرائيل وتتحدث عن محادثات غير مباشرة معها شريطة كذا وكذا. وسبق للسلطة الفلسطينية أن قضت سنين من المفاوضات المباشرة مع إسرائيل؛ فهل الموافقة على المفاوضات معها، مشروطة بأن تكون غير مباشرة، يُعتبر نزعا لاعترافها بإسرائيل؟

يقال «بشر الجراد الأرض»، أي: أكل كل ما على وجهها، ونتنياهو «بشر» الأرض وما عليها، أي أكلها بالمستوطنين كالجراد في الضفة الغربية والقدس الشرقية، ويرفض التوقف عن بناء المستوطنات ويعتبر القدس مثل تل أبيب. وكلما «أبشرت» أرض الفلاحين الفلسطينيين في الضفة، أي: أظهرت بشارتها وعشبها ونباتها وبقولها، قامت الجرافات الإسرائيلية ببشرها وجرفها.

سياسة نتنياهو لا تقيم وزنا للبشر - أي: الإنسان ذكرا كان أو أنثى - من الفلسطينيين، مع أننا جميعا ذرية أبي البشر، وهي كنية آدم.

ومن معاني «بَشَر»: حفّ الشارب حتى يظهر الجلد، بمعنى آخر: حلق الشارب؛ كأن نقول: إذا نجحت المفاوضات مع نتنياهو - سواء مباشرة أو غير مباشرة - سأبشر شاربي!