وما أدراك ما الرابطة!

TT

منذ وعيت على عالم القراءة والكتابة والأدب، بدأت أسمع عن شيء عظيم في نيويورك العشرينات يُدعى «الرابطة القلمية». وكم قيل إن «الرابطة القلمية» أثّرت في آداب القرن الماضي. وكم ترددت أسماء أعضائها. وكم كان من مقاييس الشطارة والثقافة حفظ تلك الأسماء. ومن لم يحفظها فهو جاهل أو عقوق.

وعندما جئت إلى نيويورك المرة الأولى أردت أن أزور مقر الرابطة كأنني أقوم بزيارة ضريح للآداب. لكنني وجدت المقر قد ذاب في الجسور التي استجدت. وهذه المرة عدت إلى البحث، في صور أكثر جدية، في تاريخ الرابطة ومنجزاتها. ودهشت عندما اكتشفت أن الرابطة مثل الثورات العربية. رجل واحد ومجموعة رفاق لاكتمال العدد. مثل 23 يوليو مثل الفاتح من سبتمبر مثل الرابطة القلمية في نيويورك. من يتذكر أسماء «الضباط الأحرار» في مصر وليبيا والعراق واليمن والسودان وسورية والجزائر وموريتانيا، يمكن أن يتذكر من كان أعضاء الرابطة.

كانوا مجموعة بسطاء حياة وبسطاء أقلام يدورون في فلك نجم متألق يدعى جبران خليل جبران، يملأ الساحات الأدبية في الوطن وفي المهجر. وكان هناك أديب حاذق يدعى ميخائيل نعيمة. وإلى حد ما، كان هناك إيليا أبو ماضي، وديوان تبرق فيه قصيدة أو قصيدتان. والباقون أناس فقراء بسطاء وضعوا عملا متواضعا أو عملين. أو مخطوطة لم تُطبع. وكان يفرحهم أن تتردد أسماؤهم كأعضاء في الرابطة بدل أن تُذكر عارية من دون لقب أو توقير. أو حتى من دون أن تُذكر على الإطلاق. وصاحب الاسم اللامع الآخر، أمين الريحاني، ظل خارج الرابطة، يغرد وحيدا ويُحسد كثيرا ويهاجمه الضعفاء علّهم يستقوون بسمعته. وكان أهل الرابطة يهاجم بعضهم بعضا، بالأسماء المستعارة وبالأسماء الصريحة. لكنهم لم يتخلوا عن العضوية فهي كانت كل شيء!

وعندما أرّخ لهم رفيقهم وزميلهم ميخائيل نعيمة فعل ببسطائهم ما فعل بألمعهم: بداعي الصدق والصراحة حوّلهم إلى مجموعة أدعياء وسُذّج عديمي الثقافة وغالبا مشوهي الخلقة. وكان ظالما.