سورية.. أُرفض وفاوض!

TT

جدد الرئيس السوري بشار الأسد تمسك بلاده بالوساطة التركية في التفاوض مع إسرائيل، كما قال الرئيس التركي عبد الله غل، أثناء مؤتمر صحافي جمعه وضيفه السوري في اسطنبول إن «الرئيس الأسد قد أعرب عن استعداده للبدء بالمباحثات من النقطة نفسها».

اللافت هنا أن دمشق رفضت للتو، وللمرة الثانية، إعطاء الغطاء العربي للمفاوض الفلسطيني في الشروع في المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل، برعاية أميركية؛ رفضت دمشق هذا الأمر في القاهرة من قبل، وكررت رفضها قبل أيام في مصر أيضاً، لكنها اليوم تعلن مجدداً رغبتها في استئناف المفاوضات عبر الوسيط التركي. والأمر لا يقف هنا بل إن الرئيس السوري قال في المؤتمر الصحافي مع نظيره التركي إن «الحل الوحيد لكي نكون واقعيين أن نعمل من أجل تحقيق السلام، لكي لا تحصل الحرب ولو كانت النسبة بسيطة». وبالطبع هذه لغة مخالفة تماماً للغة التي سمعناها أثناء زيارة نائب الرئيس الإيراني لدمشق الأسبوع الماضي، والذي قال إن «من يفكر في الاعتداء على سورية ولبنان.. هذه المرة ستقطع أرجلهم بمقدار ما يعتدون».

ولذا فإن التصريحات السورية، ومن تركيا، تمثل رسائل كثيرة، ومهمة، فمن الواضح أن دمشق قررت أن تفسر موقفها بشكل مباشر أمام الأميركيين، خصوصاً بعد أن قالت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون قبل أسبوعين إن التصريحات الصادرة من سورية قد تعني الحرب، وقد تعني السلام، كما أن السوريين، ورغم أنهم مثلهم مثل كثير من العرب لا يعتقدون، ولا يصدقون، أن هناك إمكانية لإنجاز سلام مع حكومة بنيامين نتنياهو، يريدون الظهور بمظهر المتمسك بعملية السلام لكن من خلال تركيا حتى يأتي الموقف الأميركي المغري لدمشق وحينها يكون التفاوض عبر واشنطن لا أنقرة!

كما أن الموقف السوري المعلن عنه في المؤتمر الصحافي في اسطنبول بين الرئيسين التركي والسوري، والذي جدد تمسك دمشق فيه بعملية السلام، ومن خلال وساطة تركية، يعد بمثابة التشويش على المواقف الأخيرة المعلنة أثناء زيارة نائب الرئيس الإيراني لدمشق، كما أنها تناقض الموقف السوري الأخير في اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة الذي منح الفلسطينيين الضوء الأخضر للتفاوض غير المباشر مع إسرائيل، وبالطبع فإن تلك المواقف السورية ما هي إلا بمثابة رسائل للأميركيين كما أسلفنا.

ولذا فإن الواضح اليوم هو أن دمشق تسير على عكس المبدأ السياسي المعروف «خذ وطالب»، بل تسير على مبدأ سوري صرف وهو «ارفض وفاوض»، من أجل شراء الوقت، وتعزيز المواقف التفاوضية.

خطورة هذا الموقف أن عواقبه شبيهة بعواقب اللاحرب، واللاسلم التي حذر منها الرئيس الأسد نفسه في تركيا حين قال «المشكلة أن حالة اللاحرب واللاسلم إما أن تنتهي بسلم أو أن تنتهي بحرب، لذلك عندما نعمل نحن وتركيا من أجل التوصل للسلام فذلك لكي لا نرى ما لا نتمناه». كما أن الإشكالية الأخرى في هذا الموقف أن الجميع استوعب الخطة السورية، وباتت مكشوفة ليس لمدرب الفريق الخصم وحسب، بل وحتى للمتفرجين!

[email protected]