احتلال مرفوض وآخر مبغوض

TT

يضيف رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو وسائر أفراد الحكومة التي لا تريد سلاما واستقرارا في المنطقة، إلى أخطائهم وخطاياهم الظن بأن عدوانا من جانبها على إيران سيكون موضع ترحيب أو حتى قبول أي حكومة مسلمة عربية أو غير عربية، ذلك أن التحفظات من جانب الأنظمة العربية والإسلامية دون استثناء على التطلعات النووية الطموحة للنظام الإيراني الشقيق لا تصل إلى حد الرضا بأن تعتدي إسرائيل على الإنجازات النووية الإيرانية أو على أهداف عسكرية وقواعد جوية ومصانع حربية إيرانية. ومن المؤكد في حال حدوث هذا العدوان أن يلتف الجمع العربي المسلم وغير المسلم حول إيران كما التف حول مصر عبد الناصر ردا على العدوان الثلاثي عام 1956 وكان من بين الملتفين الأمير فهد بن عبد العزيز وشقيقه الأمير سلمان. وجاء الالتفاف من منطلق أن قناة السويس حق مصري وتأميمها واجب وطني، تماما كما أن السعي للتقنية النووية حق لأي دولة ما دامت لأغراض سلمية، وهذا ما يقول النظام في إيران إنه يقوم به، لكن التصريحات والإنجازات الصاروخية الإيرانية تجعل السلمي دمارا شاملا.

وحتى دولة الإمارات العربية المتحدة التي بينها وبين إيران الثورة مشكلة موروثة من إيران الشاه وتتمثل في احتلال إيران ثلاث جزر إماراتية هي «طمب الكبرى» و«طمب الصغرى» و«أبو موسى»، لا يمكن أن تسكت على أذى يلحق بإيران من جانب إسرائيل. ونقول ذلك لأن وزير خارجية الإمارات الشيخ عبد الله بن زايد قال يوم الثلاثاء 20 أبريل (نيسان) 2010 ردا على سؤال برلماني خلال جلسة للمجلس الوطني الاتحادي: «إن احتلال أي أرض عربية هو احتلال وليس سوء فهم ولا فرق بين احتلال إسرائيل للجولان أو لجنوب لبنان أو للضفة الغربية أو غزة، فالاحتلال هو الاحتلال ولا توجد أرض عربية أغلى من أرض عربية أخرى. والاحتلال غير قانوني في العرف العربي كما هو غير قانوني إسلاميا ودوليا. كما أن إيران تقف موقف المتعنت والرافض لكل مبادرات حكومة الإمارات لحل القضية بالتفاوض المباشر أو التحكيم الدولي».

من البدهي أن الشيخ عبد الله لا يقارن هنا بين دولة عدوة ودولة شقيقة، وإنما هو ينظر إلى الأمر من زاوية الفعل المبغوض الذي هو احتلال لثلاث جزر إماراتية ذات موقع استراتيجي كونها في مدخل الخليج العربي (الذي ترفض إيران بشدة اعتباره عربيا وتقتص من مؤسسات أو شركات طيران لا تسمي «الخليج الفارسي» ويصل العقاب إلى حد الطرد من الوظيفة). ولا يشكل قُرْب الجزر من الساحل الإيراني (مسافة 75 كيلومترا، أي ثلاثة أرباع الساعة بزورق حربي) أحقية لإيران في وضْع اليد عليها وخصوصا أن هذا الفعل حدث في زمن الشاه وليس من المنطق في شيء أن كل عهد محمد رضا بهلوي مُدان ومرفوض من جانب الحكم الثوري عدا احتلال الجزر الإماراتية الثلاث. ولو أن الثورة الخمينية بادرت منذ اللحظة الأولى بعد انقضاء السنة الأولى لاستقرار النظام الخميني إلى القول للشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ما معناه إن لدولة الإمارات في الذمة الإيرانية ثلاث جزر احتلها الشاه ونأمل اعتبارها وديعة يستردها أصحابها بمجرد أن تستقر أحوال الثورة ولا يعود الأميركي المصدوم من الذي جرى يحاول تقويض ما حدث، لكان الشيخ زايد استوعب حُسن النية هذه وردَّ على إقرار النظام الخميني بأحقية دولة الإمارات بهذه الجزر، بما يناسب المقام ويراعي لبعض السنين مسألة عدم التكافؤ لجهة القوة بين دولة مجروحة الكبرياء من الحرب مع العراق الصدَّامي ودولة اتحادية من سبع إمارات صغيرة يبذل رئيسها وشيوخ بقية الإمارات ما في استطاعتهم للإبقاء على أوتاد الخيمة الإماراتية عصية على رياح الصراعات في منطقة الخليج وعليه. لكن إيران الخمينية اعتبرت الجزر الإماراتية الثلاث حقا مشروعا، أو فلنقل شرعيا، ثم أورثت «الحق» إلى إيران الخامنئية - النجادية التي وصلت الحال معها إلى التصريح رسميا بأن الجزر «جزء لا يتجزأ من الأرض الإيرانية».

وعلى هامش هذا الموقف الرافض من جانب إيران بالنسبة إلى موضوع الجزر الإماراتية، نسمع بعض إخواننا الإيرانيين يقولون عند تبَاسُطنا في الحديث معهم حول أمور المنطقة وبالذات الجموح النووي والصاروخي وكذلك الكلام الناري الذي يحوي في طياته ما لا يدعو إلى الطمأنينة الجوارية، كلاما نتمنى ألا يكون جزءا من نظرتهم. وخلاصة هذا الكلام أن هذه الجزر ليست بالنسبة إلى دولة الإمارات أكثر من بقعة أرض مسكونة ببعض الصيادين في حين أنها بالنسبة إلى إيران كونها تواجه قوى الاستكبار تشكِّل مواقع استراتيجية ونقاط قوة في حال حدثت مواجهة، وذلك على أساس أن منصات من الصواريخ المتطورة التي تنتجها إيران توضع في هذه الجزر قادرة على إرباك الملاحة الدولية في مضيق هرمز الذي يبعد 100 كيلومتر عن هذه الجزر مما يعني أن صواريخ قصيرة المدى قادرة على تأدية مهمة الإرباك المشار إليها. كما نسمع من المشار إليهم عبارات مثل: إن إيران الآن مستهدَفة ومن واجب الإخوة قادة الدول العربية والمسلمة الوقوف معها، كما من مصلحة دولة الإمارات وقْف إثارة موضوع الجزر والتفاهم مع الحكم الإيراني لمقايضتها بموقف سياسي أي تحييد دولة الإمارات من أي مخطط تنوي إيران تنفيذه في المنطقة. وفي هذا الإطار تندرج المقولة الإيرانية بأن موضوع الجزر ليس أكثر من «سوء فهم بين البلدين». كما في هذا الإطار يندرج الافتراء الإيراني بالنسبة إلى سيادة البحرين وهو افتراء خيرا تم سحْبه من بورصة التداول والتنظير وخيرا كان العلاج الدبلوماسي له من جانب أُولي الأمر في البحرين.

وهذه النظرة من جانب الحكم الإيراني تجعلنا آسفين، كما اضطرار الشيخ عبد الله بن زايد إلى المقارنة التي أشرنا إليها مطلع المقال وتدعيم القول بزيارات ثلاث لها دلالتها كونها فقط إلى دول تحتل إسرائيل مساحات من أراضيها وهي السلطة الوطنية الفلسطينية للتحادث مع رئيسها محمود عباس في مقرها في رام الله والدولة اللبنانية من خلال لقاء مع الرئيسين الموجودين نبيه بري وسعد الحريري (كون الرئيس الأول ميشال سليمان في زيارة إلى البرازيل)، وسورية التي تبادل الشيخ عبد الله مع رئيسها بشار الأسد يوم الاثنين 26 أبريل 2010 فضفضة أراحت الصدور من غرائب ألغاز التعامل الإيراني مع العرب.. إن هذه النظرة نراها توأم النظرة الإسرائيلية التي طالما لاحظها الرئيس رجب طيب أردوغان ووزير خارجيته الذي يُنظِّر لـ«تركيا العثمانية المتجددة» أحمد داود أوغلو عند الحديث مع الإسرائيليين في شأن الوساطة مع سورية، حيث إن هؤلاء يقولون كلاما يثير الدهشة وخلاصته أن الحكم السوري يمكن أن يتعامل مع موضوع الجولان مثل تعامُله مع تركيا في موضوع لواء اسكندرون. وعندما نستحضر هذه «التخريجة» الإسرائيلية نتفهم المقارنة الاضطرارية من جانب الشيخ عبد الله بن زايد بين احتلال إسرائيل المرفوض للأراضي العربية واحتلال إيران المبغوض للجزر الإماراتية الثلاث وحرصه على أن يقول للرؤساء الذين زارهم ما معناه إننا في الهَمِّ من الاحتلال واحد، ومن دون أن يستوقفه الغمز الإيراني لجهة التذكير بأن العَلَم الإسرائيلي رُفع خلال أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2009 في أبوظبي لأن وفدا إسرائيليا شارك في مؤتمر عقدته «الوكالة الدولية للطاقة المتجددة - ايرينا» التي هي إحدى المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة وفازت أبوظبي باستضافة المقر الدائم لهذه الوكالة.

إلى ذلك يحاول بعض إخواننا الإيرانيين عند إثارتنا أمامهم مسألة عدم تسمية الخليج بـ«الخليج العربي الإسلامي» وبذلك تنسجم التسمية مع ثوريتهم الإسلامية ويرتاح الجيران العرب (العراق ودول مجلس التعاون) من حساسية التسمية، ومسألة عدم حسم موضوع الجزر الإماراتية من خلال التحكيم الدولي وإن كان الأفضل من خلال التفهم والتفاهم مع أصحاب الجزر.. إن إخواننا الإيرانيين عند إثارة المسألتين معهم يقولون ما معناه: أميركا وإسرائيل ودول حليفة لهما تُعد العدة للهجوم علينا، ويأتي في هذه الحالة الحرجة من يثير موضوعات ثانوية. وهذا المنطق هو نفسه الذي طالما سمعناه بعد السنة الأولى لقيام الثورة الخمينية عندما سمعنا من يقول: هل هذا وقت إثارة موضوع بسيط مثل الجزر بينما إيران الثورة تواجه الاستكبار الأميركي؟

على هذا الأساس هل يبدو التأجيل هو المعمول به، أم أن الجزر التي احتلها الشاه كانت في نظر الثورة الإيرانية تراثا يجب الحفاظ عليه وليس احتلالا مبغوضا من الأفضل التخلص من تداعياته. وإذا كان هذا الأمر لن يُحسم في الزمن الراهن فكيف سيُحسم في حال بات النووي سيد الموقف من جانب إيران ليس فقط بالنسبة إلى الجزر وإنما بالنسبة إلى كل الخليج وكل المنطقة التي عليها عندئذ السلام.