رماد الاستبداد فوق إيران

TT

تسببت الانتخابات الرئاسية الإيرانية الأخيرة، التي أجريت في يونيو (حزيران) 2009، في سحابة من رماد الاستبداد فوق إيران، فقد دعمت الحكومة الإيرانية بصورة مطلقة الانتخابات المزورة في كل ناحية بكل وسيلة وأداة. وعندما أستخدم كلمة الحكومة داخل إيران، أنوه بأنه، من ناحية، توجد حكومة، ومن ناحية أخرى، توجد دولة في إيران. ويقود الحكومة مباشرة المرشد الأعلى، كما هو الحال مع الجيش والحرس الثوري ومجلس صيانة الدستور والسلطة القضائية. وتحكم الدولة مؤسسة الرئاسة، المكونة من وزارات. ومعروف أن بعض الوزارات مثل وزارة الداخلية والخارجية والأمن والدفاع، وحتى وزارة الإرشاد الإسلامي، تعمل تحت رعاية وإشراف المرشد الأعلى مباشرة.

وعلى أي حال، فمثل «صندوق باندورا» نشاهد ألما ومعاناة يخرجان من هذا الصندوق. وربما تتساءل عن السبب وراء استخدامي مصطلح «صندوق باندورا» لتفسير الوضع الحالي في إيران!

في الميثولوجيا الإغريقية «صندوق باندورا» عبارة عن جرة كبيرة تحملها باندورا، وعندما فتحت الجرة أخرجت الكثير من الأشياء المرعبة على البشرية مثل الأمراض والأسقام والتعب - والأمل. وسوف أركز على الأمل فيما بعد.

في الأسبوع الماضي، طالعتنا الأخبار بأن النظام الحاكم داخل إيران اتخذ خطوة أخرى ضد الإصلاحيين، فقد حظر صحيفة «بهار» الإصلاحية، وأغلق حزبين إصلاحيين ومنع الرئيس السابق خاتمي من مغادرة البلاد لحضور مؤتمر عن نزع الأسلحة النووية داخل هيروشيما. وخلال الانتخابات، وفي الليلة التي تلتها، ألقي القبض على المئات من الشخصيات السياسية والثقافية، بالإضافة إلى الآلاف من الطلاب. وجرى بالأساس اعتقال أعضاء في اثنين من الأحزاب المهمة، وهما «جبهة المشاركة» و«منظمة مجاهدي الثورة الإسلامية». ويعد محسن ميردامادي وبهزاد نبوي ومصطفى تاج زاده من الشخصيات المحورية في هذه الأحزاب.

وتمثلت الخطوة الثانية في منع جرائد ومواقع تنتمي إلى الإصلاحيين، وفي الأسبوع الماضي تم حظر الصحيفة الأخيرة للإصلاحيين وهي صحيفة «بهار» وتعني الربيع. واستخدام الإصلاحيون حظر «بهار» في الإشارة إلى وفاة الحرية داخل إيران.

وكانت الخطوة الثالثة هي حظر الأحزاب المعروفة في المعسكر الإصلاحي. ويتحدث القانون الدستوري الإيراني بصراحة تامة عن الأحزاب السياسية في المادة 26، ويقول: «يسمح بتشكيل الأحزاب والجمعيات والاتحادات المهنية أو السياسية، بالإضافة إلى الجمعيات الدينية سواء كانت إسلامية أو مرتبطة بإحدى الأقليات الدينية المعترف بها ما دامت لا تخالف مبادئ الاستقلال والحرية والوحدة الوطنية ومبادئ الإسلام أو أساس الجمهورية الإسلامية. ولا يجب منع أي أحد من المشاركة في المجموعات المذكورة آنفا ولا أن يكون مجبرا على المشاركة فيها».

وفي ضربة جديدة ضد الحركة المعارضة والإصلاحيين، قامت السلطات الإيرانية بحظر الحزبين المعارضين الرسميين الباقيين يوم الاثنين 19 أبريل (نيسان) بعد أن حصل اثنان من قياداتهما على أحكام بالسجن. ويخرس هذا الإجراء، الذي لا يزال ينتظر تصديق السلطة القضائية في إيران، آخر الأحزاب التي كان متاحا لها قانونا الترويج لتغيير سياسي داخل إيران، ويمنع خصوم الرئيس محمود أحمدي نجاد من الحصول على السلطة من خلال الانتخابات.

وتدعو الأحزاب (جبهة المشاركة ومنظمة مجاهدي الثورة الإسلامية) إلى المزيد من الحريات المدنية. ودعم كلا الحزبين مير حسين موسوي خلال الانتخابات الأخيرة. وألقي القبض على معظم أعضاء اللجان التنفيذية فيهما، وصدرت بحقهم أحكام بالسجن لستة أعوام على الأقل، وسجنوا حتى لا تتسنى لهم المشاركة في أي أنشطة اجتماعية سياسية.

وتشكل هذه الأحزاب معا أحد التكتلات السياسية الرئيسية داخل البلاد. ويأتي هذا الأمر عقب حكم بالسجن لستة أعوام صدر يوم الأحد ضد اثنين من القيادات البارزة في الحزبين، وهما محسن ميردامادي (من جبهة المشاركة) ومصطفى تاج زاده (من منظمة المجاهدين). ومنعا أيضا من ممارسة العمل السياسي لمدة 10 أعوام بعد أن أدينا بالمشاركة في تجمع غير قانوني والتآمر ضد الأمن الوطني وترويج أكاذيب ضد الدولة.

وكان الاثنان من بين قيادات المسلحين الشباب الذي استولوا على السفارة الأميركية داخل طهران في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1979، وأبقوا 53 أميركيا رهائن لأكثر من عام. وقد دعموا المنافسين الرئيسيين لأحمدي نجاد خلال الانتخابات الرئاسية الإيرانية في يونيو (حزيران).

ولا تحظى حركة المعارضة السياسية الرئيسة (الحركة الخضراء) بالاعتراف، ولم تحصل يوما على تصريح بالعمل. كما أن قياداتها، رئيس الوزراء السابق مير حسين موسوي ورئيس البرلمان الإيراني السابق والمدير العام لحزب «اعتماد ملي» مهدي كروبي، لا يترأسا حاليا أي أحزاب سياسية.

واحتلت القوات الأمنية مبنى حزب كروبي، كما حظرت وزارة الإرشاد الإسلامي صحيفته «اعتماد ملي» في أغسطس (آب) 2009، وذلك بعد أن نشرت تقارير مثيرة للجدل من قبل المرشح الخاسر مهدي كروبي قال فيها إن بعض المحتجين على نتائج الانتخابات تعرضوا لانتهاكات جنسية في السجن.

ويعني ذلك أن دائرة الاستبداد قد اكتملت، فقد أدى إلقاء القبض على نشطاء سياسيين وحظر الصحف وحظر الأحزاب إلى حالة اختناق ثقافية وسياسية داخل إيران.

ويطرح ذلك سؤالا مهما للغاية: هل سوف تثمر هذه الاستراتيجية؟ وهل السجن والحظر وإغلاق الصحف وأحزاب المعارضة يعالج أو يحل الأزمة السياسية الاجتماعية الكبيرة داخل إيران؟ وهل سوف يتغلب الاستبداد على حكم الديمقراطية والحرية؟

قبل ألف عام تقريبا، قال ناصر خسرو، المفكر الكبير والعالم الديني والشاعر: سيكون من المستحيل أن يُحكم العالم بقبضة من حديد ومن خلال أعمال عنف، ويجب أن يُحكم العالم بالحكمة.

قبل الثورة، كانت حكومة الشاه تسيطر على كل شيء، وكانت الصحافة والإذاعة والتلفاز تدعم الحكومة. وعلى الجانب الآخر لم يكن لدى المعارضة سوى أشرطة كاسيت! ولذا سمى بعض الصحافيين والخبراء في الشؤون الإيرانية الثورة باسم ثورة شرائط الكاسيت. وفي الوقت الحالي، حل الإنترنت والتليفونات الجوالة وغيرها من الأجهزة المبتكرة محل شرائط الكاسيت. ولذا يبدو بالنسبة لي أن المستقبل مشرق! وفي العام الأخير من حكومة الشاه، قام الرئيس كارتر بزيارة إيران، وداخل قصر الشاه شرب نخب «جزيرة الاستقرار» في منطقة بها اضطرابات.

وفي الوقت الحالي، يقول أحمدي نجاد: إيران بها الحكومة الأكثر ديمقراطية في العالم، وتوجد حرية في إيران أكثر من أي مكان آخر! هذه هي رؤيته. وعلى الجانب الآخر، نشهد أسوأ نظام استبدادي في التاريخ، إنه الاستبداد الديني. وسياسة هذا الحكم الاستبدادي مثل سياسية من يزعم: من ليس معنا فهو ضدنا.

أين جزيرة الاستقرار؟ لقد غيرت إيران من قواعد اللعبة.