مصر.. ورطة البرادعي

TT

فور عودة الدكتور محمد البرادعي إلى مصر قام بركوب موجة الانتخابات الرئاسية المصرية القادمة، وتلقفته أطراف عدة على اعتبار أنه واجهة دولية، إلا أن الواضح اليوم أن الموجة باتت عالية على البرادعي، أكثر مما توقع، وعليه فقد يغرق في دهاليز السياسة المصرية.

أبسط مثال هو الضجة التي أثارها «الإخوان» حول تصريحات نسبت للدكتور البرادعي في مقابلة مع مجلة فرنسية جاء فيها أنه قال للإخوان المسلمين بأنه «يمكنكم ممارسة دينكم ولبس ما تريدون وارتداء النقاب، ولكن يتعين عليكم احترام حق الآخرين في العيش بشكل مختلف»، وقوله بأنه أقنع «الإخوان» بالعمل من أجل العدالة والديمقراطية ودولة علمانية.

إلا أن البرادعي نفى ما سبق وقال إن الترجمة لم تكن دقيقة، بحسب ما نقله «الإخوان» بموقعهم الرسمي، بل إن الدكتور سعد الكتاتني صرح قائلا بأنه تلقى اتصالا هاتفيا من البرادعي نفى خلاله ما نقل عنه، خصوصاً فيما يتعلق بإقناعه «الإخوان» بالدولة العلمانية، مضيفاً أن البرادعي قد أكد بأنه قام بإرسال تصويب للصحيفة التي نقلت الخبر، يؤكد أن «ما دار في لقائه مع الكتاتني تناول العديد من القضايا الخاصة بالإصلاح والديمقراطية ورأي الإخوان فيها، وأن الإخوان أكدوا بالفعل دعوتهم لدولة مدنية ذات مرجعية إسلامية، باعتبار أن الدولة في الإسلام هي مدنية في الأساس، وأنه مقتنع بأن الدولة العلمانية هي التي تحقق مشاركة الجميع فيها بحرية وديمقراطية، ولم يقل إنه أقنع الإخوان بذلك».

والسؤال هنا ليس في مَن أقنع مَن، بل إن السؤال هو هل يقبل الدكتور البرادعي تحالفاً، أو تفاهماً، أو حتى تهادناً، مع جماعة تريد إقصاء طائفة موجودة، ومهمة، في مصر، مثل الأقباط مثلا؟ وهل يقبل البرادعي، بما يمثله من ثقل دولي، أن يكون واجهة لحزب ديني؟

قد يقول البعض إن «الإخوان» لا يدعمون البرادعي بشكل كامل، أو إنهم لا يتحالفون معه، لكن للإخوان المسلمين تمثيلا في جمعية البرادعي، وهذا ليس كل شيء، بل إن موقع «الإخوان» قد أبرز نفي البرادعي مضافاً إليه ثناء من البرادعي على «الإخوان» أثناء تبريره للاجتماع بقياداتهم في مصر، حيث نقل الموقع قول البرادعي للمجلة الفرنسية بأن الإخوان «هم القوة السياسية الأولى في مصر، وعلى الرغم من القيود المفروضة عليهم فإنهم تمكنوا من حصد 20% من مقاعد مجلس الشعب المصري، ولها باعٌ كبير في خدمة الفقراء، ويقومون بتعليمهم ورعايتهم بالمساجد».

وبالتالي يكون السؤال هو هل يؤمن البرادعي بدولة مدنية علمانية تقبل حق العيش للجميع، أم أنه يقبل بجماعة ابتدعت إقحام الدين في السياسة، ولها أهداف ومنهج مضر بمصر، من رؤيتها للسلم والحرب، والمواثيق الدولية، وقبل هذا وذاك، موقفها من العيش المشترك لكافة أبناء مصر، خصوصاً أن الدولة المدنية في مصر، أمر مهم، ومفصلي لا ينبغي استغلاله لتحقيق مكاسب سياسية، أياً كان حجمها، على الأقل من أجل عدم تكرار أخطاء الماضي التي لا تزال مصر تعاني منها؟

ولذا فإن البرادعي في ورطة حقيقية اليوم، داخلياً، وخارجياً.

[email protected]