قنابل نووية للأغراض السلمية!

TT

الخطر حقيقي. ماذا يفعل العرب وهم يتفرجون على تسارع السباق النووي، في منطقة تمتد من الهند وباكستان. إلى إيران وإسرائيل؟

في طغيان الأحداث اليومية، ينشغل العرب عن الخطر النووي. بل بعضهم يظن استحالة استخدام السلاح النووي ضدهم، طالما أنهم لا يملكونه. هذه «الطوباوية» الساذجة تعتمد نظرية أمنية، تقوم على أساس أن الشرطي غير المسلح لا يستخدم المجرمون سلاحهم ضده.

في دَحْضِ هذه النظرية، أعود إلى ماضٍ ليس ببعيد جدا. في مذكرة سرية لهنري كيسنجر عندما كان مستشار الأمن القومي، وجهها إلى رئيسه ريتشارد نيكسون (في 19 يوليو 1969) يقول فيها بالحرف الواحد إن الإسرائيليين «على استعداد أكثر من أية دولة أخرى، لاحتمال استخدام أسلحتهم النووية».

أُفرج عن المذكرة في عام 2007، ضمن برنامج نشر الوثائق الذي تعتمده الدول الديمقراطية سنويا، بعد مرور كذا من السنين. في حرب أكتوبر (1973)، كادت «نبوءة» كيسنجر تتحقق. عندما هبطت الدبابات السورية بعد استرجاعها الجولان، إلى الجليل الأعلى، بكى موشي ديان وزير الدفاع ورئيسته غولدا ميئير. هددا نيكسون وكيسنجر الذي أصبح وزيرا للخارجية، بتعبئة القنابل النووية على منصَّات الإطلاق.

لم يكن اندفاع الدبابات السورية خارج الجولان، في تخطيط الرئيس حافظ الأسد. إنما «الخطأ» ارتكبته القيادات الميدانية المنتشية بالنصر في بدايات الحرب. عندها، صاح نيكسون: «أرسلوا كل شيء يطير إلى إسرائيل». بالفعل، حلت طائرات «الناتو» الأميركية ذات اللون الحديدي، محل الطائرات الفضية الإسرائيلية التي دمرتها مصر وسورية، وكنت شاهدا على ذلك في سماء الجبهة السورية.

انقلب ميزان الحرب. دُمرت قواعد صواريخ سام. استُعيدت مرتفعات الجولان. عبر شارون البحيرات المرة (ثغرة الدفرسوار) مهتديا بصور الأقمار الصناعية الأميركية. فرض كيسنجر اتفاقات فك الاشتباك. بالمناسبة، كان بنيامين نتنياهو من ضباط المخابرات الصغار الذين عبروا مع شارون. كاد يغرق بحمولته الكبيرة، لولا أن امتدت إليه أيدي رفاقه.

باختصار، أستطيع أن ألخص أمن إسرائيل في أن لا يكون هناك أمن للعرب. للسخرية المرة، ليست إسرائيل وحدها تؤمن بذلك. أوروبا وأميركا تسلمان أيضا بهذا المبدأ. لكن في لحظة صدق سياسية نادرة مع الذات، أجبر الرئيس إيزنهاور إسرائيل وبريطانيا وفرنسا على الانسحاب من قناة السويس وسيناء (1956).

ردا على الإهانة المذلة، أرسل بن غوريون ربيبه شمعون بيريز وكيل وزارة الدفاع الإسرائيلية إلى باريس سرا. حصل من الجمهورية الفرنسية الرابعة على تقنية صنع القنبلة النووية. بيريز يتشدق اليوم بالحديث عن السلام. أما فرنسا فقد كانت آنذاك تريد الانتقام من عبد الناصر المساعد الأكبر لثورة الجزائر.

هكذا، بدأ سباق التسلح النووي في الشرق الأوسط. منذ إدارة نيسكون، كان هناك قلق أميركي من حلم الشاه الإمبراطوري: امتلاك القنبلة النووية. ها هو خامنه ئي ونجاد يجددان الحلم. يدخلان السباق. طوباوية «عرب إيران» تنفي، بمكر أو سذاجة، التهمة عن الحليفة. كأنهم يقولون إن قنبلة إيران النووية ستكون للأغراض السلمية!

من كوريا الشمالية. إلى إيران. إلى إسرائيل، باتت القنبلة المخيفة درع السيادة للدولة والأمن المطلق للنظام. غير أن نظرية الأمن الإسرائيلية تعرضت لثقوب في السنوات العشر الأخيرة. لجأ العرب إلى تقنية جديدة سهلة: الصواريخ. صواريخ العرب بإمكانها أن تصل إلى أي مكان في إسرائيل. بل هي قادرة على حمل أسلحة استراتيجية كيماوية أو جرثومية، إذا ما فكرت إسرائيل باستخدام أسلحتها الاستراتيجية.

إذا كانت إسرائيل مستعدة لاستخدام قنبلتها ضد العرب، فهل تستخدمها إيران المسلحة آجلا أو عاجلا بقنبلة؟ من السذاجة، أن تفكر إيران بضرب إسرائيل بالقنبلة. أميركا و أوروبا هددتاها بالفناء نوويا.

يبقى العرب غير النوويين. هل تستخدم إيران قنبلتها ضدهم؟ الدين المشترك ليس رادعا. كانت إيران أول من استخدام الصواريخ في قصف بغداد خلال الحرب مع العراق. ثم استخدمت الغازات ضد القوات العراقية، ردا على غازات صدام. لو كانت إيران تملك صواريخ نووية تكتيكية (صغيرة) لاستخدمتها، إنقاذا لها من الهزيمة، في حرب استنزاف استمرت ثماني سنوات.

في حالة قصف إسرائيل أو أمريكا لإيران، وتدمير منشآتها الحيوية النووية والنفطية، فقد ترد إيران بقصف دول الخليج العربية، بحجة الزعم أن «العدوان» انطلق من هناك. من هنا، فتسلح إيران بالقنبلة قد يغريها في المستقبل باستخدامها، ليس ضد إسرائيل النووية، وإنما ضد دول عربية (سنّية) لا تملك سلاحا استراتيجيا قادرا على الردع أو الرد.

في وضع نووي كهذا الذي يسود المنطقة، هل على العرب امتلاك القنبلة؟ كم هو سؤال ثقيل الوطأة على النفس! سؤال يجرّد النفس الإنسانية من البراءة. السؤال مجرد تفكير بالشر. لكن ماذا تفعل أنت، إذا كان عدوّك أو جارك يملك أداة الشر. وهو مستعد لاستخدامها ضدك؟

امتلاك العرب لقنبلة يستعيرونها. يشترونها. يصنعونها (هم يمتلكون الموارد ومئات علماء الذرة والفيزياء) ليس بالضرورة لاستعمالها. إنما هم أيضا يسعون إلى الردع. بالمعنى الساخر، هم أيضا يستخدمون القنبلة للأغراض السلمية! ألم يكن امتلاك الدول الكبرى للقنبلة حائلا دون نشوب حرب عالمية ثالثة؟

الكثافة السكانية في المنطقة المهددة بالقنبلة (سورية. مصر. إسرائيل. فلسطين) تجعل من التفكير الإسرائيلي باستخدامها شرا على إسرائيل. هي أيضا ستصاب بالإشعاع القاتل. إذا امتلك العرب القنبلة. وردوا على إسرائيل، فقنبلة واحدة تكفي لإفنائها، فيما هي تحتاج إلى عشرات القنابل لإفناء الدول المجاورة لها.

غير أن أي تفكير إيراني بقصف إسرائيل بقنبلة نووية، أو حتى بصورايخ لا تحمل أسلحة استراتيجية، يعتبر تفكيرا جنونيا. فهو يعرض نحو ستة ملايين فلسطيني في الأرض المحتلة إلى مجزرة رهيبة، لا سيما إذا كانت صورايخ نجاد «بِدِقَّةِ» صواريخ حماس. قتلت صواريخ حزب الله، في حرب عام 2006، 160 شخصا في إسرائيل. كان أكثر من ثلثهم من العرب.

في حالة استحالة الحرب بالأسلحة الاستراتيجية، فلا بد من مراجعة شاملة للعقيدة القتالية العربية. لا بد من مزيد من التدريب النوعي للجندي العربي. حتى تفوقُ العرب العددي لم يُستخدم في كل الحروب مع إسرائيل. كان عدد جنودها أكبر، فضلا عن تفوقها بالتدريب النوعي للمقاتل.

أمر آخر لا يقل أهمية في العقيدة القتالية. على العرب الاستعداد البشري واللوجستي لإدارة حرب تقليدية لعدة شهور. كل حروب إسرائيل خُططت ونُفذت لتستغرق أياما معدودات. بعدها، يتدخل المجتمع الدولي لفرض الهدنة، بعدما تكون إسرائيل قد فرضت خريطة عسكرية مناسبة لها، وهي تستخدمها اليوم في مساومة العرب على أرضهم المحتلة.