شبكات التجسس و«جماهيرية الباسداران العربية»

TT

لا شيء يؤذي خطط التجسس وسياقات العمل وفلسفة الخدمة السرية بقدر ما تؤذيه عملية كشف لاختراق استخباري وضبط الفاعلين. والمعروف أن أجهزة الاستخبارات تبذل جهودا كبيرة للحصول على معلومات عن خطط أجهزة الاستخبارات المعادية. وكل نشاط يتعدى النطاق الدفاعي يعتبر عدائيا.

وتمثل حصيلة جمع المعلومات عن الأساليب والإمكانات وتحليلها مرحلة متطورة في عملية غلق الثغرات وتعزيز الأمن الداخلي والخارجي على حد سواء. ونادرا ما يتمكن جهاز ما من الوصول إلى عمق التفصيلات الجزئية في هذا المجال.

الكشف الذي أصبح مؤكدا لشبكة التجسس «الباسدارانية» في الكويت يمكن أن يوفر قدرا كافيا من المعلومات عن التجهيزات والأسلحة والمواد وأجهزة الاتصال المستخدمة من قبل المخابرات الإيرانية، وأسلوب توريط وتجنيد الأشخاص ومناطق تدريبهم والأسس التي بنيت عليها عوامل المفاتحة، من دون الخشية من كونهم سيقومون بإخبار أجهزة بلادهم الأمنية «أي ما الذي شجعهم على مفاتحة المتورطين؟»، مثلا الإفراط في حب اللهو..

ويفترض التعرف الدقيق على كيفية عمل المخابرات الإيرانية في الخليج وتنظيم الارتباط، ومدى علاقة عناصر السفارة بمثل هذه النشاطات، والأسلوب والوسائل التي تمرر بها المعلومات، وطريقة صرف الأموال وأسلوب نقلها وتحويلها، وعملية الربط بين الشبكات المحلية والإقليمية. وما هي مكونات خطة جمع المعلومات لكل مرحلة من المراحل، وعناصرها الأساسية الثابتة التي تعكس صورة النوايا الإيرانية ببعدها الاستراتيجي. ففي الحالة الساخنة كانت الصواريخ المضادة للسفن وأماكن نشرها موضع اهتمام الإيرانيين. فما علاقة المطلب بالنوايا؟ هذا يبقى على محللي الاستخبارات تفسيره ولا أريد الخوض فيه حاليا.

والأهم من هذا هو التعرف على الاهتمامات العامة والتفصيلية للمخابرات الإيرانية في الكويت ومنطقة الخليج، ولا يقتصر الفهم على حالة تعبوية معينة، بل يتعداها إلى تحديد عملي للمشاريع والنوايا الاستراتيجية البعيدة الأمد.

وهذا هو أقصى ما تتمنى أجهزة الأمن والاستخبارات الحصول عليه، وتبذل جهودا كبيرة وأموالا للوصول إلى غاية لا تتحقق دفعة واحدة، مثل ما يمكن تحقيقه بعملية كشف شبكة واسعة مهمة. ولا شك في أن الأجهزة الكويتية ستحرص على إعداد ملف تعليمي عن هذه القصة المثيرة، ليكون دليلا مفيدا على مستوى يتعدى النطاق المحلي، يساعد في متابعة نشاطات جهات لا تكل ولا تمل ولا تترد في الإخلال بأمن الآخرين.

وفي كل الأحوال، فإن الاستخبارات المقابلة (الإيرانية) بكل فروعها ستضطر إلى مراجعة خططها، وربما تحديد أو وقف الاتصال بعدد من الشبكات في الخليج وقفا مؤقتا، ريثما تتمكن من دراسة الموقف المستجد. غير أن تغيير الوسائل والنهج ليس متاحا بتلك السهولة ما دامت فلسفة عملها أصبحت معروفة. لذلك فخسارتها ستكون فادحة وتتعدى كثيرا تأثيرات خسارة عدد من الجواسيس.

وبما أن الأمن الخليجي واحد، أو هكذا يفترض فهمه، فينبغي مراجعة كل عوامل الربط بين هذه الشبكة وغيرها على المستوى الخليجي، خصوصا ما سبق نشره عن قضية وزير بحريني.

من مشكلات الجوار مع إيران أنها لم تضع حدودا لنشاطاتها التجسسية في المنطقة، بما في ذلك الدول التي تحرص على عدم التقاطع السلبي معها ولو علنا. ففي الوضع الكويتي لم تقتصر النشاطات الإيرانية على تتبع حركة القوات الأميركية، وهو ما قد يمكن تفهمه، بل تعدته إلى عملية جمع عن الجهد العسكري الوطني الكويتي. والأكثر عدائية أن تتسع دائرة البحث لتشمل الوضع المدني الكويتي، وهو مؤشر تتعدى خطورته الجانب العسكري، لما يعكسه من أهداف تمس البناء الأسري في دولة تحرص على استخدام مفردات لا تجرح مشاعر النظام الإيراني لأسباب موضوعية.

المعلومات المتداولة عن شبكة التجسس الجاري التحقيق فيها، وما سبقها من تقارير عن شبكة إيرانية في البحرين، تعكس عملية دمج واضح بين نشاطات لجمع مجرد للمعلومات بطرق تقليدية تبنى على وجود شبكات مترهلة يسهل كشفها، ونوايا ما يسمى «تصدير الثورة». ويمكن ربط الحالة بلا تردد بما يسمى «الخلايا النائمة»، التي تقع خارج مفهوم ونشاطات وتأليف شبكات التجسس، ويمكن أن تسند إليها مسؤولية محددة ذات صلة.

من الأشياء المهمة التي ينبغي التوقف عندها حالة الترهل في تنظيم الشبكات، التي توفر فرصا كبيرة لأجهزة الأمن لتوجيه ضربات متعاقبة لعموم الشبكات بحكم بنائها المتخلف، وعلى افتراض وجود ارتباطات بين الشبكات الرئيسية.

أما المثير للسخرية، فهو أن النفي الإيراني جاء بالصيغ التقليدية نفسها التي تستحضر نظريات المؤامرة. والأكثر سخرية هو ربط الحال بتفسير المؤامرة على أساس الخوف من«جماهيرية الباسداران العربية». ما شاء الله، لم يبق للجماهير العربية من يؤثر فيها إلا الباسداران.

أما المناورات القتالية المتعاقبة فقدمت كشفا مجانيا واضحا عن خططهم.