تقليص وفيات الأمهات

TT

شرعت ثقافة الحرب في التفشي على صعيد السياسة الخارجية الأميركية، لكن المقاتل الرئيسي ليس متعصبا يملأ الدنيا ضجيجا على شاشات التلفزيون، وإنما وزيرة الخارجية الأميركية. وباعتبار بلاده الدولة المضيفة لاجتماع مجموعة الدول الثماني المقرر عقده في يونيو (حزيران) في أونتاريو، عكف ستيفين هاربر، رئيس الوزراء الكندي، على إعداد مبادرة لتقليص وفيات الأمهات في الدول الفقيرة. في بداية الأمر، لمحت حكومته إلى أن منع الحمل والإجهاض لن يشكلا جزءا من المبادرة المقترحة. إلا أنه تحت ضغوط، أوضح وزير الخارجية الكندي لاحقا أن الخطة «لا تتناول الإجهاض»، لكنها «لا تستثني منع الحمل».

الشهر الماضي، وفي خضم جدال سياسي دائر في كندا حول القضية، تحدثت هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية، خلال مؤتمر صحافي في كوبيك، قائلة: «لقد عملت بهذا المجال سنوات كثيرة، وإذا كنا نتحدث عن صحة الأم، لا يمكنك ضمان صحة الأم من دون تحقيق صحة إنجابية. وتتضمن الصحة الإنجابية بدورها منع الحمل وتنظيم الأسرة والقدرة على الحصول على إجهاض قانوني آمن».

من جانبها، وصفت صحيفة «تورنتو ستار» هذا التعليق بأنه «قنبلة يدوية ألقيت على مضيفها الكنديين الذين عقدت الدهشة ألسنتهم». الملاحظ أن سعي كلينتون لإثارة مشاحنة حول هذا الأمر يشكل انحرافا عن النهج المألوف في السنوات الأخيرة، حيث شكلت المساعدات التنموية المتزايدة الموجهة لتحسين الصحة العالمية واحدة من الإنجازات التي أسهم بها الحزبان الديمقراطي والجمهوري خلال العقد الماضي، مما يعد استثناء لنهج واشنطن العام المرير.

إلا أن التحالف السياسي بشأن هذه القضية اتسم دوما بالهشاشة. من الناحية التقليدية، عمل الأنصار الليبراليون لتوجيه أموال لتحسين الصحة العالمية في إطار تحالف مقلقل مع المحافظين - الذين تألفوا بصورة أساسية من عناصر محافظة اجتماعيا - ممن يرون الدور الأميركي في العالم من منظور أخلاقي. وكان ذلك هو الإطار الذي ظهر فيه التحالف بين الرئيس السابق بوش ونجم الروك بونو، وأسهمت الجهود على هذا الصعيد في الموافقة مجددا على «الخطة الطارئة للإغاثة من الإيدز» التي طرحها الرئيس - وهي مبادرة تعمدت تجنب قضية الإجهاض للحيلولة دون اندلاع انقسامات ومشاحنات في صفوف مؤيديها.

الواضح أن القنبلة اليدوية التي ألقت بها كلينتون خلفت أضرارا تجاوزت حدود كندا. ولا يزال الليبراليون بحاجة إلى تفهم حجم الغضب الذي يساور المحافظين حيال الحجة الصحية العالمية المناصرة للإجهاض، فالأمر يبدو لهم أشبه بالسعي لتناول قضية الفقر من خلال التخلص من الفقراء، أو محاربة مرض ما عبر قتل المرضى المصابين به. إذا ما أقدمت إدارة أوباما ودعاة الصحة العالمية على وضع قضية حقق الإجهاض في قلب أجندتهم التنموية، فإن ذلك لن يزيد المحافظين تشبثا بمواقفهم المعارضة حيال القضايا المتعلقة بصحة الطفل والمرأة فحسب، وإنما سيقوض الدعم الجمهوري للإنفاق بالمجالات التنموية ككل.

وتسمح وسائل منع الحمل للنساء، إذا اخترن ذلك، تجنب الحمل مرتفع المخاطرة في وقت مبكر أو متأخر من حياتهن والولادة على فترات متباعدة أكثر أمنا وتحديد مرات الحمل. ويفترض الأميركيون الآن أن هذه الممارسات ضرورية لخلق أسر سعيدة وصحية. وينطبق القول ذاته على الكثير من الدول النامية.

ولا ينظر الكثير من البروتستانت إلى منع الحمل كقضية أخلاقية. ورغم معارضة الكنيسة الكاثوليكية بقوة، فإن معظم الكاثوليك يتفقون مع الرأي القائل بأن بين منع حدوث حمل وإنهاء حياة فارقا أخلاقيا كبيرا. لكن المعارضة الكاثوليكية لتنظيم الأسرة في البرامج التنموية أقل حدة بكثير من معارضتها الإجهاض.

رغم أنه لم يسعد أحدا، فإن الإجماع الأخير يحمل مناصرة أكبر للحياة، وطابعا حياديا على الأقل تجاه الإجهاض، وتأييدا لمنع الحمل، وهو الموقف الذي اتخذه هاربر وهاجمته كلينتون. إن تحدي أي من هذه الالتزامات قد يثير قضية آيديولوجية، لكنه من المحتمل أيضا أن يتسبب في انقسام داخل الحركة ويكبد الفقراء والمرضى ثمنا لا يقبله أحد.

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»