.. وما الدولة المدنية؟

TT

هناك جانب طريف في المعركة التي اشتعلت فجأة بين محمد البرادعي والإخوان المسلمين في مصر بعد حديثه إلى مجلة «باري ماتش» الفرنسية، فقد استخدم الإخوان عندما لم يعجبهم كلامه نفس نظرية «الخواجة» التي جوبه بها بعد عودته إلى مصر والإفصاح عن طموح سياسي وهي أنه لا يعرف الواقع السياسي المصري، وأنه يحتاج إلى وقت لتعرُّف هذا الواقع بعد طول غربة في المنظمات الدولية.

وبصرف النظر عن هذه النظرية فإن ما يدعو إلى التوقف أمامه هو رد الإخوان على ما نُسب إليه من أنه أقنعهم بالديمقراطية والحريات ومطالبته لهم بأن يفعلوا ما يشاؤون ويرتدوا ما يحلو لهم مثل النقاب، لكن عليهم احترام حق الآخرين في العيش بطريقة مختلفة، إضافة إلى قوله إنه أقنعهم بقبول الديمقراطية والدولة العلمانية.

وكان ذلك نقطة الاختلاف المحورية، وهي بالمناسبة متوقعة، فالجانبان مختلفان جذريا في طريقة التفكير في السياسة والدنيا وأسلوب النظر إلى الحريات والتعددية الموجودة في المجتمع.

كان رد الإخوان أنهم لا يدعون إلى الدولة الدينية وهي عادة نقطة الهجوم عليهم، والسبب الرئيسي في خوف الناس منهم على اعتبار أن الخلط بين الدين والسياسة قنبلة موقوتة في أكثر الأحيان كما تدل التجارب السياسية، وقالوا إنهم يدعون إلى دولة مدنية ذات مرجعية إسلامية.

وهو كلام جميل غير أنه يحتاج إلى من يفسره، فماذا تعني الدولة المدنية ذات المرجعية الإسلامية، إذا أردنا الخروج من دائرة مجرد إطلاق الشعارات التي قد لا تحمل معهما مضمونا حقيقيا؟ وما الفرق بين ذلك وما هو قائم؟ فالدستور الحالي الذي يشير إلى الشريعة الإسلامية كمصدر للتشريع. وهل يعني ذلك أن الحكم في ظل هذه الدولة الموعودة يكون لسياسيين من نفس التيار تختارهم مرجعية معينة دينية تعد سلطة أعلى منهم كما يحدث في إيران حاليا؟

أما الحديث عن النمطية بحكم الآيديولوجية الإخوانية، فهي مسألة ستظل قائمة، ففي كل المعارك السياسية والانتخابية التي خاضها الإخوان كان شعارهم الشهير الذي يقدمونه إلى الناس هو «الإسلام هو الحل». وهي أيضا طريقة الشعارات البراقة دون الدخول في التفاصيل، وهو في الحقيقة شعار رجال دين ودعوة لا سياسيين معنيين بشؤون الدنيا، ويتوجب عليهم أن يقدموا أفكارا وبرامج تعكس فكرهم الحقيقي في قضايا مفصلية مثل التنمية وأسلوبها والحريات والتعليم والفقر ورفع مستويات المعيشة والثقافة، إلى آخره.

الجميع في مصر يتحدث عن الإصلاح السياسي والتغيير بما في ذلك الحكم، والخلاف كما يبدو هو على سرعة إيقاعه وإحداث التوازن اللازم بين الاستقرار وإيقاع الإصلاحات في عالم يموج بالمشكلات والتوترات السياسية والاقتصادية، لكن التغيير والإصلاح يجب أن يشمل أيضا القوى السياسية التي تدعو إلى التغيير لتواكب العصر وأفكاره. فالإخوان المسلمون مثلا يحتاجون إلى النظر حولهم وإلى العالم لإدراك أن أفكار الأربعينات والخمسينات لم تعد تصلح لهذا العصر، وأنه يتعين عليهم القيام بجهد شاق لتصعيد جيل جديد يحل محل الحرس القديم ويقدم فكرا تنويريا. وقد ينطبق ذلك على قوى سياسية أخرى واقعة في أسر معارك الماضي وآيديولوجياته. أخيرا وبصرف النظر عن واقعية أو عدم واقعية البرادعي في طموحاته السياسية فإن تحريكه المياه في معارك مثل هذه أمر إيجابي ومفيد في دفع القوى السياسية المستسلمة منذ فترة لأفكار نمطية إلى شحذ الذهن والتفكير بشكل غير نمطي وتطوير آيديولوجياتها.