الأمين الشجاع.. والقرار المنتظر

TT

لم تكد تجف أمطار الرياض العاصفة، التي أصابت سكانها تحديدا ومواطني البلاد بالصدمة والحزن الشديدين، حتى كان أمينها الأمير عبد العزيز بن عياف يدلي بأول تصريح وتعليق رسمي على ما حدث، وكان تصريحه مهما جدا وشفافا ومباشرا بلا مجاملة ولا تجميل للوضع. فلقد صرح بقوله: «إن هناك قصورا كبيرا من قبل وزارة المالية في تلبية المخصصات المطلوبة»، وأفاد بأنهم يطالبون الوزارة منذ 12 سنة بتحقيق الخطط الموضوعة، وما حصل عليه فعلا كان فقط 15% مما طلب، وبالتالي باتت العاصمة غير مهيأة للتعامل مع الأمطار الغزيرة التي حلت عليها، وأنذر الأمين بأن نمو العاصمة متسارع، وهناك «كارثة» ستحصل لو لم يتم التعامل مع الأمر بجدية وبسرعة.

«مركزية» قرارات المالية باتت معيقة لطموحات وخطط التنمية، ولم يعد ذلك سرا، وباتت الشكوى من ذلك تصدر من كثير من المسؤولين. والاشكالية ليست وليدة اللحظة، وانما منذ زمن طويل نتج عنها فجوة بين القطاع الخاص والدولة بسبب عدم الالتزام بالمواعيد والمواصفات واعتماد سياسات السعر الأقل فقط، وعدم الإنصات للاحتياج الحقيقي من الأطراف الأخرى المعنية، وكانت نتيجة الاعتماد على الرأي الواحد ظهور مشاريع غير مكتملة، ومواصفات غير مناسبة، تتأزم في مواجهة الكوارث أو أشباه الكوارث، واستمرت الفجوة في التنامي؛ لأن الوضع لم يحدث فيه أي إصلاح جذري داخل وزارة المالية لتحسين أساليب التعامل مع احتياجات المناطق والقطاعات، ولا مع القطاع الخاص مع جهة أخرى، وهذه هي المسألة التي ظهرت بوضوح خلال كارثة سيول جدة، وعرفت الكثير من المفاجآت غير السارة عقب ما حدث، مفاجآت من نوع أن بنود «الصيانة» الخاصة بالمضخات المرتبطة بالأنفاق لم يتم تفعليها، وبالتالي لم تعمل الأنفاق لأن رؤية وزارة المالية هي أن حجم الأمطار الذي يتساقط على المدينة سنويا لا يقلق، وبالتالي لا داعي لصرف هذه المبالغ، وبقيت المضخات دون مخصصات لتشغيلها، وهطلت الأمطار وغرقت السيارات في الأنفاق.

اعادة النظر في مركزية القرار المالي ومنح صلاحيات أكبر للمحافظات والإمارات، بات مطلبا أساسيا وجوهريا؛ لأن المصلحة العامة كشفت ما فيه الكفاية من الحقائق التي تؤكد ضرورة ذلك. الرياض التي أصبحت مضرب الأمثال في التخطيط الاستراتيجي المتأني والمدروس والبعيد المدى، تحولت إلى ضحية بعض القرارات المالية، والقصور في تلبية المتطلبات. وما ينطبق على الرياض العاصمة، حتما ولا شك ينطبق على المناطق والمدن الأخرى بالسعودية، هذا مع عدم إغفال العناصر الأخرى كالبيروقراطية وسوء الأداء والتخطيط، وغيرها من الأسباب، وهي ذات الأسباب التي أدت لأن يتحرك مجلس الشورى السعودي لأن تكون هناك خطة وطنية لمعالجة التصريف سواء أكان لمياه الأمطار وسيولها أو الصرف الصحي نظرا لوجود خلل كشفته سلسلة الكوارث المتلاحقة التي ضربت أكثر من موقع بالبلاد، وكذلك تصريح ديوان المراقبة العامة بالسعودية، كشف أيضا عن وجود قصور في تنفيذ المشاريع بأسباب إدارية وفنية، مما يعني أن هناك «مشكلة» يجب مواجهتها وبسرعة. ولعل الذاكرة لا تزال حية بتصريح مسؤول وزارة المالية، وهو يعلق على كارثة الصرف الصحي بجدة بقوله «إن ما صرف على جدة يفوق ما صرف على الرياض»، مما يفتح السؤال الكبير وهو: أين دور وزارة المالية في «اعتماد» و «استلام» المشاريع من المقاولين والإدارات المعنية؟ ألم يلفت فضول وزارة المالية «تكرار» نفس الطلب على نفس المشاريع والشكوى ذاتها عبر فترة تمتد لأكثر من عقدين من الزمان؟

تصريح أمين الرياض عبد العزيز بن عياف الشجاع، يذكرني بتصريح عمدة نيوأورليانز الأميركية راي ناجين بعد إعصار كاترينا المدمر وهو يقول: «إن قصور الدعم المالي الفيدرالي ساهم في هذه الكارثة». تصريح العياف وضع النقط على الحروف، ولذا فان المشكلة الأساسية هي سياسة وزارة المالية، وهذا ما يجب إصلاحه.

[email protected]