عودة الهجوم على أبو مازن

TT

في العام الماضي آثر الرئيس الفلسطيني محمود عباس السلام على المواجهة، عندما خرج من غرفة التفاوض متعلقا بمسألة وقف الاستيطان. في نهاية المطاف عرف أبو مازن أن واجبه ومسؤوليته الأولى هي إنهاء الاحتلال الفلسطيني وإقامة الدولة الفلسطينية الموعودة، أما التخلي عن التفاوض فيخدم إسرائيل لا العكس لذا هي تضع العراقيل عبر الجدار والاستيطان وإغلاق القدس وافتعال المعارك.

أبو مازن، من أجل العودة وإكمال التفاوض، حمى ظهره بالحصول على تأييد معظم الدول العربية، ومعظم القوى الفلسطينية الرئيسية باستثناء حماس. وبات معروفا عند الجميع أن حماس ستؤيد المفاوضات لاحقا عندما ترى سورية تبدأ مفاوضاتها، وحماس في هذه المسألة ليست سوى فرع لمكتب وزير الخارجية السوري وليد المعلم. ولحسن الحظ دمشق تدفع برغبتها في بدء المفاوضات مع إسرائيل عبر تركيا، لكن إسرائيل هي التي ترفض. ولحسن الحظ أيضا ظهرت على الجانب الإسرائيلي ضغوط من القطاعين الأمني والعسكري على حكومة نتنياهو تدعوها للتفاوض مع دمشق. والعقبة مؤقتة، فالولايات المتحدة ليست متحمسة بعد.

ولأن أبو مازن اختار التفاوض ها هي العاصفة في الأفق تعود لمهاجمته، تتهمه بالتخاذل والنكوص عن وعوده، وتستنهض الشارع العربي والفلسطيني باسم القدس ووقف الاستيطان وغيره من الشعارات والروايات التي لم تقدم بديلا عن المعارضة باتجاه حل يحقق إزاحة الاحتلال وإقامة الدولة.

وينفخ في العاصفة أيضا رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي يريد إضعاف ونقل المسؤولية إلى الجانب الفلسطيني والعربي عموما. فقد أطلقت حكومة نتنياهو أول من أمس تصريحات متناقضة حول استمرار الاستيطان ومحدودية التفاوض أسهمت في تدشين الحملة ضد أبو مازن داخل الوسط العربي. يريد منها نتنياهو أحد أمرين: إما أن تتوقف المفاوضات ويخف عن كاهله عبء الضغوط الأميركية بلوم السلطة الفلسطينية، وإما أن تستمر المفاوضات لكن يضحي خصمه أبو مازن مشتتا ومحرجا وضعيفا بسبب الصراخ وراءه من العرب المعارضين، وتخلي العرب المعتدلين عنه في الأزمات كالعادة.

وعلى أبو مازن أن لا يتوهم بأن الأربعة الأشهر المقبلة ستكون هينة رغم قصر مدتها ورغم الوعود بمساندته، بل ستتحول إلى جهنم من قِبل الذين لا يريدونه التفاوض، ولكل طرف سببه ومصالحه الخاصة. وهنا عليه إما أن يتحمل المسؤولية الصعبة ويفاوض، وإما أن يعلن باكرا الاستسلام والتوقف والتخلي عن قيادة السلطة إلى آخَر مستعد لمواجهة العاصفة. لقد ضاع عام ونصف العام من رئاسة باراك أوباما، وهو الرئيس الذي يثق فيه العرب والمسلمون، ولم يتبقَّ له الكثير على اعتبار أن السنة الرابعة من رئاسته سيتفرغ فيها لمعركة الانتخابات ولا شيء آخر.

ومن المؤكد أنه لو بادرت الولايات المتحدة إلى إحياء المفاوضات السورية الإسرائيلية لخف الأمر كثيرا على أبو مازن، حيث ستؤيدها حماس وحزب الله، حينها يصبح التفاوض خصلة حميدة وجهادا يستوجب الدعاء. لكن من الصعوبة المراهنة على هذا الخط المعقد سياسيا بسبب تقاطعاته مع قضايا إيران وحزب الله وغيرها. وهنا الأميركيون على خطأ إذ إنهم يظنون أن فتح درب التفاوض بين دمشق وتل أبيب هو هدية لسورية، وهم يرفضون منح السوريين الهدايا ما دامت لم تتخذ موقفا مباعدا من إيران. الحقيقة أن المفاوضات ليست هدية، كما أن المشكلة الإيرانية موضوع آخر يفترض أن تكون له حسابات أخرى مختلفة لا تُخلط بقضية الاحتلال الإسرائيلي للأراضي السورية والفلسطينية. لكن حتى يدرك الجانب الأميركي خطأ الخلط قد يمضي وقت طويل وتفوت الفرصة، مما يستوجب على الفلسطينيين أن يتخذوا قرارهم بالاستئناف أو الانتظار والتحرك في أحد الاتجاهين بثقة وإصرار، فقد لا يأتي أوباما آخر إلى ست سنوات أخرى.

[email protected]