نفس عميق وقاتل

TT

أعود إلى مذكرات الدكتور لويس عوض «سنوات التكوين» لسبب قد يبدو غريبا على قراء هذه الزاوية. كم أتحاشى الكتابة في مواضيع مزدوجة الأثر، خوف الوقوع في التضليل والإغواء بدل النصح والنهي. ولا أريد أن أفرض رأيا أو قناعة على أحد. وأخشى دائما ألا أحسن معالجة المواضيع الدقيقة. وأكرر أن حجم الزاوية لا يسمح بكتابة المطالعات، وبالتالي فالاجتزاء خطر أحيانا، ومسيء إلى صاحبه أحيانا.

أحد المواضيع التي تجنبتها، المخدر. على أنواعه ودرجاته وطبقاته. وقد حماني الله التجربة، وأضرع أن يحمي سواي. ويرافقني حزن عميق ودائم، على بعض من عباقرة فقدتهم للحشيش الذي قتلهم مرتين، مرة باسم الحشيش ومرة برصاص السجائر. وقبل أن يطلق عليهم الرصاص خفف من نتاجهم وأبطأ حياتهم وأساء إلى سمعتهم بين الناس.

أعود إلى مذكرات لويس عوض، لأنني لم أقرأ من قبل وصفا مقتضبا لتأثير الحشيش، كما قرأته عنده. فقد ذهب مع رفيق له إلى ناد ليلي، حيث قدم له هذا سيجارة من الحشيش الهندي. وبعد قليل شعر برغبته في الخروج، لكن رفيقه أصر على البقاء. وراح يلح بدوره، معتقدا أن ساعتين مرتا على نهاية السيجارة. وتطلع في ساعته فوجد أنهما دقيقتان.

وعندما خرجا أخيرا تحت الأعمدة تملكه رعب شديد. وهمس في أذن رفيقه: «عمر. عمر. العسكري ورانا؟» وتلفت عمر خلفه وقال ضاحكا: «عسكري إيه يا راجل. إنت مسطول؟ دي الشجرة». وبعد قليل قال لعمر مرة أخرى «حاسب يا عمر من البركة قدامك». «ولم تكن هناك بركة. كان هناك مجرد طين وبلل نتيجة مطر خفيف. كان خيالي يجسم الأشياء ويملؤني المخاوف. وهنا وجدت عمر يوقف (تاكسي) ويدفعني إليه. لقد كنت أريد أن أصاحبه إلى باب بيته لأطمئن عليه لأنه أصغر مني بثلاث سنوات، فقرر أن يصاحبني إلى بيتي في السرايات ليطمئن أنني دخلت سريري سالما».

بعد ست سنوات كانت له تجربة ثانية وأخيرة مع الحشيش بإلحاح من بعض الفنانين. وعندما خرج إلى الشارع وجد نفسه يضحك بطريقة هستيرية. وأرعبه الأمر. وظن أن المارة كشفوا أمره. وتماسك نفسه حتى استطاع أن يوقف «تاكسي» أقله إلى منزله. ولم يعد يصغي إلى أي إغراء! وأما أنا فقد وجدت نفسي في منزل صديق لي في أوروبا ونحو 30 شخصا يتعاطون. وقدم إليّ المخدر، فاحترت بين أن أرفض وأحرج 30 شخصا، أو أن أقبل وأترك لثلاثين صديقا أن يرموني في البحر. وتركتهم يُحرجون.