لماذا لم يذكر أوباما الإسلام؟

TT

فارق كبير بين الطريقة التي تعاملت بها إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما مع العمليات الإرهابية الأخيرة والطريقة التي كانت تتعامل بها إدارة الرئيس السابق جورج بوش. فقد حرصت إدارة أوباما، وعلى جميع المستويات، على التعامل مع محاولة الباكستاني الأميركي، فيصل شاه زاد تفجير سيارة في تايمز سكوير بنيويورك، بالكثير من الروية وعدم التسرع في إطلاق التصريحات، مع تفادي أي تلميحات تربط بين الإرهاب والإسلام.

تحدث أوباما بعد إحباط المحاولة الإرهابية عن أن بلاده لن تخضع للترهيب، وقال إن التحقيقات ستسعى لتحديد ما إذا كان للمشتبه فيه صلات «بالتنظيمات المتطرفة الأجنبية»، ولم يشر مرة واحدة إلى ديانة شاه زاد، متفاديا إقحام الإسلام في الحديث عن العملية الإرهابية.

قبل ذلك بأشهر وعقب إحباط محاولة النيجيري عمر فاروق عبد المطلب تفجير طائرة فوق الأجواء الأميركية في يوم احتفالات الميلاد، تحدث أوباما عن الإرهابي المعتقل باعتباره عضوا في تنظيم القاعدة، لكنه لم يتحدث عن كونه مسلما. وحتى في حديثه عن «القاعدة»، أشار أوباما إلى أنها ليست المرة الأولى التي يستهدف فيها التنظيم أميركا، متجاهلا ما كان يحدث في السابق من ربط التنظيم بالإسلام أو وضعه في سياق «التطرف الإسلامي».

وعندما قتل الميجور نضال مالك حسن 13 شخصا في قاعدة فورت هود بولاية تكساس في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، دعا أوباما إلى «توخي الحذر وعدم إطلاق أي استنتاجات». وركز في كل تصريحاته بعد تلك الجريمة على معنويات الجنود ومسألة الضغط النفسي من جراء الحرب، متجاهلا كون الميجور حسن مسلما ومن أصل عربي.

لقد بادرت إدارة أوباما إلى إلغاء مصطلح «الإرهاب الإسلامي» في وثائقها وتعاملاتها الرسمية بعد أن أعلن الرئيس الأميركي أنه يريد فتح صفحة جديدة مع العالم الإسلامي. وهناك إدراك اليوم لحقيقة أن الإرهابيين يستفيدون من خلق أجواء عداء للإسلام والمسلمين بعد أي عملية إرهابية، وأن إطلاق التصريحات أو اتخاذ الخطوات التي تستهدف المسلمين يوظف من قبل جماعات التحريض والتطرف لبث المزيد من العداء للولايات المتحدة وللغرب وحتى للدول الإسلامية المعتدلة.

كما أن الحرب على الإرهاب حرب كونية لا يمكن كسبها من غير تعاون دولي، والإرهاب لا يستهدف أميركا وحدها، بل إن الدول الإسلامية كانت من ضحاياه حتى قبل أن يصل إلى الحدود الأميركية.

ولأنه لا يمكن اعتماد سياسة غزو الدول كاستراتيجية للمواجهة مع الإرهاب، لما لهذه السياسة من تكلفة بشرية وعسكرية ومالية وأخلاقية، ولصعوبة تطبيقها في كل الحالات، فإن أميركا لم تعد تتجاوب مع الأصوات المتطرفة التي تدعو إلى استهداف الدول التي ينطلق منها إرهابيون. ذلك أن هوية الإرهابي لا تعني بالضرورة تورط الدولة التي يحمل هويتها، مثلما أن ديانته لا تعني إدانة كل من ينتسبون إلى دينه. فكون المنفذ لمحاولة التفجير الأخيرة في نيويورك باكستانيا، ويعتقد أنه قام بمحاولته بتوجيه وتدريب من حركة طالبان الباكستانية، لا يعني أن باكستان ضالعة أو أنها يجب أن تصبح عرضة لضربات أميركية، مثلما دعت بعض الأصوات المتطرفة. فباكستان تخوض حربا ضد طالبان ويعتبر تعاونها في الحرب ضد الإرهاب أمرا حيويا وضروريا لمواجهة هذه الآفة.

المفارقة أن قضية فيصل شاه زاد تنسف منطق المتشددين من أساسه، لأن المنفذ انطلق من أميركا ذاتها، التي كان يقيم ويعمل فيها ويحمل جنسيتها، مثلما أن الشخص الذي يقال إنه أثر على تفكيره، وهو الشيخ أنور العولقي حمل أيضا الجنسية الأميركية. وقبل ذلك، تبين أن الميجور نضال مالك حسن، والنيجيري عمر فاروق عبد المطلب تأثرا أيضا بالعولقي.

لقد استخدم تنظيم القاعدة شبانا من مختلف الجنسيات في العمليات الإرهابية ونجح في البداية في التأثير على علاقات أميركا بالعديد من الدول التي انتمى إليها منفذو تلك العمليات. واستفاد التنظيم من أجواء الشك التي سادت علاقات أميركا مع العديد من الدول الإسلامية، مثلما وظف أجواء العداء للإسلام لصب المزيد من الزيت على نار الغضب والتطرف. وعلى الرغم من محاولات العديد من الأصوات المعتدلة فإن إدارة بوش بقيت أسيرة سياسة العصا الغليظة وشعار «من ليس معنا فهو ضدنا»، التي جعلت شعبية أميركا تتراجع ليس في العالم الإسلامي وحده، بل في العديد من دول العالم.

عندما جاء أوباما إلى البيت الأبيض لم يكن انتخابه رسالة أمل وإلهام لأميركا وحدها، بل وللعالم الذي رحب برسالة التغيير. ومنذ اليوم الأول، مد الرئيس الجديد يده للعالم الإسلامي ووجه خطابات من أنقرة ومن القاهرة، وعين مندوبا لدى منظمة المؤتمر الإسلامي، وفوق كل ذلك تغيرت لهجة أميركا واختفت نزعة ربط كل عملية إرهابية بديانة المنفذ. لقد تعهد أوباما في خطابه للعالم الإسلامي من القاهرة العام الماضي بأن يتصدى للصور النمطية السلبية عن الإسلام.. وهو بلا شك يحاول أن يقوم بذلك كما ظهر في الخطاب الأميركي بعد العمليات الإرهابية الأخيرة.