برنامج يستحق التحية!

TT

عندما قامت زينب فاضل أوغلو، المعمارية التركية، بتصميم مسجد ساكيرين في اسطنبول، لم تكن تدري أنها بصدد إحداث حراك كبير في عالم تصميم المساجد التقليدي. فهي قدمت نموذجا جميلا وإبداعيا وغير تقليدي لشكل المسجد، مزجت فيه الضوء والزجاج والكريستال بشكل مبهر، وباتت تجربة الصلاة فيه تحمل بعدا فريدا يستشعره كل من زار المكان. ولتاريخ عمارة المساجد في العالم الإسلامي محطات مبهرة، كون فيها عبر الأزمان بصمات محددة لشخصيات المساجد، فباتت هناك البصمة الأموية للمساجد، وأخرى أندلسية بمئذنتها المربعة الطويلة، وكذلك المساجد الفاطمية بزينتها المنحوتة بمهارة شديدة على المآذن، والبصمة العثمانية بمآذنها الرفيعة الأنيقة والطويلة، وهناك طبعا الطراز العباسي والمملوكي مع عدم إغفال البصمات «الإثنية» التي تظهر في مساجد إيران والهند وماليزيا على سبيل المثال، وتضاف لها أكيد مساجد آسيا الوسطى بطابعها المبهر المليء بالفسيفساء الجميلة أو بساطة غرب أفريقيا بمساجدها في مالي وموريتانيا. لذلك يأتي حديث الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز، بصفته رئيس جمعية التراث الخيرية، عن ضرورة مراعاة الشكل الجمالي في بناء المساجد بما يليق بمكانة بيوت الله في نفوس المسلمين كافة، وذلك بما يسهم في الارتقاء الجدي ببيئتها العمرانية وبالتالي إطلاق برنامج يضع معايير تخطيطية تعكس منهجية اختيار المساجد والأنشطة المصاحبة لها. البرنامج الآن سيتطرق لاختيار مواقع المساجد في الأحياء ضمن المدن والقرى والأحياء وحجم المسجد ومساحته ليلبي احتياج الموقع دون هدر أو مبالغة، مع الاهتمام باحتياجات النساء وأصحاب الاحتياجات الخاصة والأطفال وكبار السن، وما إذا كان هناك احتياج للمكتبة، وغيرها من الأمور.

وسيكون البرنامج معنيا بالتصاميم الداخلية للمسجد لحساب أحجام الأعمدة وأبعادها حتى لا تعوق الصفوف وتضايق المصلين خصوصا في ظل وجود تقنية متقدمة للغاية تساند المصممين والمهندسين والمقاولين في تنفيذ وبناء المساحات الداخلية بأشكال مفتوحة تنشرح لها الصدور. والحق يقال إن طموحا جماليا كهذا للعناية ببيوت الله بشكل إبداعي يبعث على الفرح بعد سنوات من «محاربة» هذا التوجه من أصحاب أفكار ضيقة رأت أن أي عناية جمالية ببيوت الله هي حرام وبدعة وزندقة وتفسيق، متناسين أن هناك الكثير من العلماء الذين فتح الله عليهم بعلم وفهم فسروا قول الحق عز وجل «خذوا زينتكم عند كل مسجد» بأنه تشجيع صريح وواضح ومباشر على العناية ببيوت الله وتزيينها بأفضل الطرق وأحسنها، وهو ما أقدمت على فعله الأمم والشعوب في شتى البقاع حول العالم. السعوديون لهم الحق أن يفتخروا بأنهم من أكثر شعوب العالم اهتماما بتشييد بيوت الله في بلادهم وخارجها وبصماتهم تشهد بذلك، لكنهم اليوم مطالبون بالوقوف ضد الإقلال من الاعتناء الجمالي ببيوت الله والاستخفاف بالعناصر الجمالية التي لولاها لتحولت بيوت الله إلى مواقع بسيطة لدرجة الغرابة، فلا اعتناء بالتصميم ولا الإضاءة ولا الأعمدة ولا المحراب ولا الأبواب ولا الشبابيك ولا التهوية بالشكل الإبداعي الممكن. الصلاة هي أهم العبادات في الدين الإسلامي، وموقعها هو مساجد الله، وكل الأمل الآن أن تحدث نقلة جادة وملموسة في التعاطي مع تصميم وبناء وتنفيذ مساجد الله بشكل يسر الناظرين ويشرح صدور المتعبدين ويزيل أغطية الجهل والتعصب والتنطع عن هذه المسألة. برنامج العناية بمساجد الله خطوة مهمة كانت لسنوات طويلة مطلوبة ومنادى بها، لكن دائما ما كان التطرف يتصدى لذلك. وانقشعت الغمة الآن كما يبدو، وهذا بحد ذاته انتصار لروح الدين ومعانيه السامية. القيود التي كانت موجودة على المهندسين المعماريين السعوديين منعت ظهور أسماء لامعة في مجال تصميم المساجد كحسن فتحي وعبد الواحد الوكيل وسينان وغيرهم، والآن قد يتغير الوضع وهذا ما نتمناه.

[email protected]