الابتسامة ومطباتها

TT

لا بد أن يواجه التلميذ المسلم القادم من مجتمع لا اختلاط فيه بين الجنسين، مشكلات كثيرة في التعامل مع الجنس اللطيف الذي يجده محيطا به في كل مكان في العالم الغربي، وغالبا في أوضاع مثيرة. أول شيء عليه أن يتذكره أن ابتسامة الفتاة وتلاطفها نحوك لا تعني أنها وقعت في حبك، فالبسمة جزء عندهم من السلوك الطيب. تجد بائعة التذاكر وعاملة البريد والممرضة وسكرتيرة الطبيب تفعل ذلك، فهو جزء من واجباتها التي يدربونها عليها.

تتسم عيوننا السوداء والمكحّلة بخلقة الخالق بقوة لم تعتد عليها الأوربيات. وكثيرا ما يتضايقن ويتخوفن منها عندما يحدق ويبحلق أحدنا فيهن. كان معي صديق في القطار أسرف في البحلقة بفتاة كشفت عن نصف صدرها، فداعبته ببسمة وأشارت إلى صدريتها بما أضحك بقية الركاب واضطر إلى الاعتذار إليها. فتذكر قوله تعالى: «قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ».

الاعتذار بكلمة «sorry» والشكر بكلمة «thank you» من أهم الكلمات التي لن تستطيع الإسراف فيها. يستعملونها بمناسبة ودون مناسبة، حتى اكتسبت كلمة «أشكرك» معاني مختلفة عن أصلها. أصبحت تعني: «اسمح لي» و«أرجوك» و«متأسف» و«كفاية إزعاج» و«ابعد عني» وأي شيء يخطر في بالك. ولنا كعرب مشكلة بصدد هاتين الكلمتين: «متأسف» و«أشكرك». كثيرا ما نمتنع عن الاعتذار لأننا نعتبره اعترافا بالخطأ والمنقصة. والعياذ بالله! كيف يقع العربي في خطأ؟! ولكنّ الغربيين، ولا سيما الأنغلوسكسون، يعتبرون الاعتذار من مكارم الأخلاق والثقة بالنفس. نجا رئيس الحكومة البريطانية قبل أيام من مأزق خطير بمجرد الاعتذار للسيدة التي شتمها. وتسمع الأم الإنجليزية تمسك بطفلها عندما يسيء في شيء. لا تضربه ولا تهينه. تمسك به وتلح عليه أن يقول «سوري»، لا تفك عنه حتى يقول ذلك فتقبله وتطلق سراحه. تستطيع أن تنجو من المشنقة عندهم بمجرد الاعتذار عن جريمة القتل التي اقترفتها. وبها تعالج المرأة الخاطئة خيانتها الزوجية بمجرد أن تقول لزوجها «سوري»! أعتقد أن للموضوع علاقة بالتقاليد المسيحية التي تنص على الاعتراف من ناحية والغفران من ناحية أخرى.

مشكلتنا مع كلمة «أشكرك» أننا لا نستعملها عندما يكون الفعل واجبا. القاعدة عندنا «لا شكر على الواجب»، فلا تحتاج إلى أن تقول لبائع التذاكر أو الطوابع «أشكرك» بعد أن تدفع له الفلوس ويعطيك التذكرة. نسيت وقلت «أشكرك» لجابي الباص في بغداد مؤخرا، فنظر في وجهي مستاءً وقال: «شنو؟ ما عاجبك؟». لقد تصور أنني كنت أسخر منه. على عكس ذلك، ينتظر منك الغربي أن تشكره حتى على أداء واجبه، ويستاء كثيرا عندما لا تفعل ذلك. هذا مقلب ما زلت أقع فيه باستمرار حتى في بيتي. كثيرا ما نادت علي بائعة التذاكر في لندن وقالت: «ما عندك تربية؟ ألم يعلّموك أن تقول (أشكرك)؟». عدت إليها واعتذرت وقلت «أشكرك» فابتسمت ابتسامة عريضة. ولكنني لم أرتكب غلطة ثانية وأحسب أنها وقعت في حبي.