إيران تعمل على تحريك شيعة باكستان وكسب ولائهم

TT

المد الإيراني وصل إلى باكستان، ففي الأشهر الأخيرة جرت اجتماعات في سفارة إيران في باكستان مع ممثلين عن الشيعة هناك، خصوصا من المناطق التي فيها كثافة شيعية مثل كراتشي في مقاطعة السند، ودي قان وبانو وكوهات في المناطق الحدودية الشمالية الغربية، والهدف من هذه الاجتماعات إقامة مظلة جامعة لمنظمة شيعية باكستانية من أجل دعم الحقوق السياسية للشيعة ووضع حد للتمييز الذي تمارسه الدولة ضدهم.

وحسب مصدر غربي مطلع، فإن هذه الاجتماعات التي شارك فيها عن الجانب الإيراني ممثلون عن «الحرس الثوري» وعن جهاز الاستخبارات الإيرانية عُقدت بناء على قرار اتخذه مجلس الأمن القومي الإيراني في شهر تشرين الأول (أكتوبر) 2009. في الاجتماعات عبّر بعض القادة الشيعة عن إعجابهم بإيران كدولة مثالية يجب تطبيق مبادئها في باكستان خصوصا في ما يتعلق بدور الدين في الحياة اليومية، وكذلك بالنسبة إلى حماية نقاء الأفكار الشيعية من اختراقات الأفكار الغربية، كما عبروا عن معارضتهم القوية للوجود الأميركي والغربي في باكستان.

في اجتماعين بالتحديد، سأل الطرف الإيراني زعماء الشيعة الباكستانيين عما لديهم من معلومات عن مساعدة باكستان لـ«منظمة البلوش الإرهابية» - كما وصفوها - «جند الله»، فكان ردهم الواثق، باستحالة أن تتحرك أي مجموعة أو منظمة في المنطقة من دون معرفة ودعم الحكومة الباكستانية، وأضافوا أن لا معلومات لديهم عن أي خطوات وقائية اتُّخذت أو على وشك أن تُتّخذ أو عن اعتقالات شملت أعضاء من «جند الله» في باكستان، وعجزوا عن تقديم أي شرح يبرر سبب دعم باكستان لـ«جند الله» ولم يستطيعوا أن يؤكدوا ما إذا كانت باكستان تساعد «جند الله» بطلب من السعودية أو عما إذا التقى أعضاء من «جند الله» أميركيين في باكستان.

من جهتهم، طلب الإيرانيون من زعماء الشيعة الباكستانيين أن يشجعوا الشباب في مناطقهم ليقبلوا العروض الإيرانية بالتوجه والدراسة في الجامعات الإيرانية ومراكز الأبحاث والمؤسسات التكنولوجية، وبالذات الدراسة الدينية في قم. ووعد الإيرانيون من أجل زيادة عدد الطلاب الباكستانيين المخولين الحصول على منحة دراسية، بقبولهم حتى من دون إجراء امتحانات قبول في اللغة الفارسية (المطلوب من الطلاب دراسة اللغة الفارسية قبل بدء دراساتهم الجامعية في إيران).

وطلب الإيرانيون من ممثلي الشيعة الباكستانيين في اللقاءات تلك، أن يقدموا إلى السفارة لائحة عما يحتاجونه لبناء مساجد جديدة، ولترميم المساجد القديمة وبالذات تلك التي دُمرت في عمليات انتحارية، كما طلبوا منهم القول عما يحتاجونه من كتب دينية ورجال دين أيضا.

والمعروف أن إيران دأبت على إرسال العشرات من رجال الدين إلى الدول التي تضم شيعة بين أبنائها، كالعراق، وسورية، ولبنان، وكذلك البحرين ودول أخرى في الخليج، لكن لسبب ما، كانت أهملت شيعة باكستان حتى الآن.

عدد من ممثلي الشيعة الباكستانيين أبلغوا الطرف الإيراني، أن الدولة الباكستانية تمارس باستمرار التمييز ضدهم، الأمر الذي أدّى إلى تدهور أوضاعهم المعيشية إلى درجة تدفع البعض اضطراريا إلى اعتناق المذهب السني. واقترح هؤلاء أن تفتح سفارة إيران في باكستان نقاطا لتوزيع الطعام والغذاء في عدة مراكز يكثر فيها الشيعة، ورأوا، أنها إذا فعلت ذلك، فإن إيران تستفيد من أمرين: الأول أن تزداد هيبتها في أعين الرأي العام الباكستاني (الشيعة والسنّة)، والثاني أن يتقلص عدد الشيعة الذين يعتنقون المذهب السنّي.

السفارة الإيرانية وعدتهم بدراسة الاقتراح.

بعض هذه الاجتماعات عُقد في مبنى السفارة الإيرانية في إسلام آباد، وتم تقديم أحد أعضاء «الحرس الثوري» على أنه دبلوماسي يعمل في السفارة، كما عُقدت اجتماعات أخرى في أماكن خارج السفارة اختارها أفراد الأمن الإيرانيون العاملون في باكستان. بعض هذه الاجتماعات كانت فقط مع أفراد من أبناء الشيعة في باكستان، وبعضها كان مع مجموعات من الشيعة يعملون لصالح إيران داخل أبناء طائفتهم.

ويقول المصدر الغربي إن ما يقلق في هذه الاجتماعات أنه في أحدها، وقد جرى بين أفراد من الحرس الثوري الإيراني وموالين لإيران من أبناء الطائفة الشيعية في باكستان، نقل هؤلاء تمنيات زعماء طائفتهم أن تساعد إيران الطائفة على تنظيم نفسها سرا للدفاع ضد عمليات انتحارية يشنها عليها وعلى مناطقها ومساجدها أصوليون سنّة، وأيضا لتدافع عن نفسها في وجه العصابات الإجرامية، واقترح هؤلاء أن يتدرب الشباب الشيعة في إيران على استعمال الأسلحة في الأبنية المقفلة، وكذلك في الساحات المفتوحة. كان وقع هذا الاقتراح أكثر من طيب على السامعين الإيرانيين الذين طلبوا أن تقدم كل مجموعة شيعية حسب توزيعها المناطقي، الوقت الذي يناسبها، وعدد المشاركين لتجنب التضارب وكي تحظى كل مجموعة من الشباب أو الرجال بالتدريب الذي يناسب سنها.

توثيق العلاقة ما بين إيران والمجموعات الشيعية الباكستانية يدخل الآن مرحلة جديدة من علاقة بدأها جهاز الأمن الإيراني مع الكثير من الباكستانيين السنّة والشيعة لتزويده بالمعلومات المطلوبة، خصوصا أن قسما منهم يعمل في عدد من الأجهزة الرسمية الباكستانية بما فيها جهاز الاستخبارات الباكستاني، وحسب المصدر الغربي المطّلع، فإن الكثير من المعلومات التي وفرها هؤلاء استعملها الأمن الإيراني في تعاطيه مع أفراد «القاعدة» الذين لجأوا إلى إيران.

نشاط مجموعة «جند الله» المتطرفة في بلوشستان كان ولا يزال من أسباب توتر العلاقة بين إيران وباكستان، على الرغم من المساعدة الباكستانية في تسليم أحد قادة هذه المجموعة إلى إيران، خصوصا إذا نظرنا إلى الخلافات المتأصلة بين النظام الشيعي الإيراني والنظام السنّي الباكستاني. وإذا كان هذا النشاط مستجدا، فإن التوتر في العلاقة يعود إلى السنوات الماضية حيث دعمت كل دولة طرفا في أفغانستان. باكستان دعمت «طالبان» في حين دعمت إيران «التحالف الشمالي» الذي أطاح به «طالبان» من الحكم. ثم إن محاولة إيران فرض نفوذها كقوة عظمى في المنطقة أوجد منافسة بينهما حول ماهية الدولة الأكثر نفوذا وامتدادا. ثم إن باكستان تملك القدرة النووية وإيران تبذل الجهود والأموال للحصول على هذه القدرات. وللتوتر سبب آخر بين الدولتين ولعدم الثقة بينهما، فالنظام الباكستاني يرتبط بعلاقة قديمة ووثيقة مع السعودية، وعلاقة قوية مع الولايات المتحدة، في حين تكنّ إيران العداء لهاتين الدولتين.

التوجه الإيراني الجديد سيفتح بابا خطيرا جدا إذا لم تعمل الدولة الباكستانية وبالعمق على نزع أسباب مشاعر الغبن والقهر لدى الشيعة في باكستان، ويمكن للولايات المتحدة في علاقتها المندفعة نحو باكستان، بسبب أفغانستان وفروع «طالبان»، أن تدفعها إلى رعاية أبناء الشيعة والطوائف الأخرى، وفتح أبواب الفرص أمامهم، كي لا يفاجأ العالم بأصولية سنّية تنافسها أصولية شيعية تهبّ عليه من الكثير من الدول الرابضة على براكين من البارود.