كردستان.. ملامح تشكل البنية الاقتصادية

TT

عانى الوضع الاقتصادي في العراق بشكل عام، والاقتصاد الكردستاني بشكل خاص، هيمنة القطاع العام وسلبياته على مدى عقود طويلة من تاريخ العراق الحديث، نتيجة سياسات الحكومات المركزية المتعاقبة والمتخلفة في رؤيتها الاقتصادية، عبر الاهتمام به بشكل أساسي في نهاية الخمسينات، وأوائل الستينات من القرن الماضي إبان موجة الأفكار الراديكالية والدوغمائية، فبدأت عمليات التأميم للشركات وفق مواقف ارتجالية، أسهمت في إزالة مرتكزات اقتصادية مهمة كالمصارف وشركات التأمين، وأصبحت نشاطاتها كافة محصورة بيد السلطة المركزية وتحت رقابتها. وبنظرة بسيطة إلى الوضع الاجتماعي والسياسي ومستوى الخدمات بشكل عام، والوضع الاقتصادي بشكل خاص، يتضح لنا عدم نجاح القطاع العام في تحقيق التنمية الاقتصادية في العراق على المستوى الإنتاجي سواء الصناعي أو الزراعي، أو على المستوى الخدمي، بل على العكس، أدى التركيز على القطاع العام وهيمنة السلطة المركزية على مجمل النشاط الاقتصادي وما رافقه من إهمال وفساد مالي وإداري، وربط عمليات التنمية بما كان يسمى بخطط الدولة المركزية، بإضعاف عملية التنمية الاقتصادية، وعدم الاستغلال الأمثل لموارد البلاد الطبيعية بل استنزافها إن صح التعبير، وكبح الطاقات التنموية البشرية الهائلة سواء في العراق أو في إقليم كردستان وحصرها في نطاق الوظيفة العادية، مما أدى إلى تكديس الطاقة البشرية في دوائر ومؤسسات الدولة المختلفة، وخلق حالة من البطالة المقنَّعة دون الاهتمام بالحاجة الأساسية لمؤسسات الدولة، لكي تكون منتجة، وبالقابليات البشرية التي كان من الممكن أن تبدع في ظل ظروف مغايرة، وباختصار تحول المجتمع العراقي إلى مجتمع استهلاكي نمطي أحادي الجانب يعتمد على اقتصاد ريعي بالاعتماد على بيع النفط.

نجد أن إقليم كردستان تميز عن باقي محافظات العراق ببيئة استثمارية نشطة وفعّالة وتتسع باستمرار وتتزايد بشكل مطّرد، ويلاحظ الزائر لمدينة أربيل صدقية ما ذهبنا إليه إذ في كل حيِّز من المحافظة نشاط اقتصادي فضلا عن تعاظم رأس المال لدى الشركات المحلية حيث نجد هناك الكثير من الشركات التي تقوم بمشروعات يتجاوز رأسمالها 300 مليون دولار، ومن الملاحظ أن رجال الأعمال هؤلاء، يتساوق فعلهم ونشاطهم الاقتصادي مع التحول السياسي في الإقليم، فبدلا من السعي نحو المشروعات الاستهلاكية نجد الآن ثمة نزوعا نحو بناء المشروعات الكبيرة في المجال الصناعي والزراعي وهناك مؤشرات لارتقاء وعي رجل الأعمال نحو المساهمة في عملية البناء الاقتصادي بشكل فعال وحيوي، إذ ليس من الممكن أن تقوم الدولة أو المؤسسة الحكومية وحدها في عملية البناء،.

وجميعها تنفذ وفق مستويات عالمية، وحاولنا هنا أن نشير إلى دور رجل الأعمال في بناء البنية التحتية للاقتصاد العراقي، إذ يعتقد هذا الرجل أن أهم عامل لوحدة البلاد وتطورها وتماسكها هو حين ترتبط محافظات العراق بعلاقات اقتصادية متشابكة تُشعِر الجميع بمسؤولية الحفاظ على مصالحهم، ولا غرابة أن نجد أن المجتمع الأميركي يتنوع فيه البشر من مختلف الأجناس والأعراق والإثنيات والطوائف والديانات، لكنهم متماسكون بفعل الاقتصاد، لذا يرى أن الاقتصاد هو أحد المفاتيح المهمة في بناء التجربة الديمقراطية في العراق وهزيمة الإرهاب، ويعتقد أن رجال الأعمال يتحملون مسؤولية كبيرة إلى جانب السياسيين في عملية التنمية البشرية والاقتصادية.

* كاتبة وأكاديمية من إقليم كردستان العراق