أوروبا تؤجل حل مشكلاتها

TT

لقد فعل الأوروبيون شيئا يتحدثون عنه بصورة مستمرة من الناحية النظرية لكنهم لم يحققوه من الناحية العملية: اتخذوا إجراء ماليا جماعيا أثناء الأزمة. لقد كشف الأوروبيون عن حزمة كبيرة وجريئة من إجراءات الإنقاذ فاجأت بعض المشككين في الاتحاد الأوروبي. وقال مدير أحد صناديق التحوط الكبيرة: «إننا نبحث عن هرمجدون». لم يحدث ذلك. وبدلا من ذلك، وضع الأوروبيون سياسة إنقاذ كبيرة تذكر، في بعض نواحيها، بما وضعه نظام الاحتياطي الفيدرالي الأميركي أثناء الذعر الذي حدث في وول ستريت عام 2008.

المشكلة في الحزمة الأوروبية هي أنها تؤجل المشكلات بدلا من حلها، حيث إنها ستؤجل مشكلات التعثر لعام أو عامين آخرين، وستضيف ضوابط مالية جديدة قد تجعل الدول في منطقة اليورو، وعددها 16 دولة، في النهاية تعمل وكأنها اقتصاد واحد. لكن لا يوجد شيء هنا لمعالجة الاختلالات الهيكلية العميقة في التوازن بين شمال أوروبا الذي يحظى بمعدلات ادخار عالية ودول «نادي المتوسط» المبذرة في جنوب أوروبا، والتي تستخدم اليورو كبطاقة ائتمان. وفي الأساس، خلقت الوفرة في الشمال سوقا للسندات الأوروبية منخفضة الفائدة، التي كانت قيمتها أقل من مخاطر الاستثمارات في الجنوب.

والمحور الرئيسي في خطة الإنقاذ، التي تمت الموافقة عليها في الساعات الأولى من صباح يوم الاثنين، هو «وسيلة لأغراض خاصة» قيمتها 560 مليار دولار لضمان القروض الجديدة إلى البرتغال وإيطاليا وإسبانيا وغيرها من الدول الأعضاء في منطقة اليورو إذا كانوا على وشك التعثر في سداد ديونهم القائمة (حصلت اليونان بالفعل على خطة الإنقاذ الخاصة بها بقيمة 146 مليار دولار قبل أسبوع، لكن يمكنها الاستفادة من هذه الخطة الجديدة إذا لم تكن الحزمة السابقة كافية).

وما هو جديد (ومن المحتمل أن يؤدي إلى زعزعة الاستقرار) بشأن هذه الخطة هو أنه مقابل قروض خطة الإنقاذ، ستكون المفوضية الأوروبية قادرة على المطالبة بإجراءات تقشف لخفض المرتبات والمعاشات على سبيل المثال في الدول المدينة. هذا هو النوع من «الشرطية» الذي يصاحب المساعدات التي يقدمها صندوق النقد الدولي للدول المحرومة من العالم الثالث. وفي الحقيقة، سيصدر صندوق النقد الدولي أموالا للإنقاذ تصل إلى 321 مليار دولار، تصحبها الشروط المعتادة.

والجانب الجيد في إجراءات التقشف هو أنها تعد خطوة في اتجاه التكامل الاقتصادي، الذي كان بمثابة الحلقة المفقودة في منطقة اليورو منذ توقيع معاهدة ماسترخت عام 1992. إن المشروطية في خطة الإنقاذ تقدم احتمالية التوصل إلى سياسة مالية أوروبية مشتركة من شأنها أن تجعل العملة المشتركة عملة مستدامة بمرور الوقت.

بيد أن إجراءات التقشف تحتوي على عائقين كبيرين، أحدهما اقتصادي والآخر سياسي. وتكمن المشكلة الاقتصادية في أن فرض تخفيضات كبيرة في الميزانية، وغيره من إجراءات التقشف على دول «نادي المتوسط» (في حين مناشدة العمال الألمان) قد لا يكون مفيدا عندما تكون الانتعاشة الأوروبية ضعيفة للغاية.

والمشكلة الأكثر صعوبة تكمن في حشد الدعم السياسي من أجل إجراءات التقشف القادمة. فالنظر إلى مثيري الشغب في اليونان وهم يهتفون بشأن المصرفيين الشياطين ووزراء الحكومة الذين يشكلون مصدر تهديد لمعاشاتهم التقاعدية يذكر بأن الأوروبيين ينظرون إلى دولة الرفاهية على أنها مسألة استحقاق اجتماعي. وقد تكون هناك حاجة إلى صياغة عقد اجتماعي مختلف، يتوافق بصورة أكبر مع الحقائق الاجتماعية والسكانية. لكن ذلك لن يكون أكثر سهولة في أوروبا بالمقارنة بالولايات المتحدة.

وانعدام العدالة في عملية الإنقاذ أمر مثير للسخط، كما كان في الولايات المتحدة عام 2008. أجبرت موجة من الهلع مرتبطة بسوق الأسهم محافظي البنوك المركزية على أن يقدموا خطة، دفعت في الحقيقة ثمن القرارات السيئة التي اتخذتها البنوك الخاصة والمسؤولون بالحكومة. وهذا الإجراءات تخلق حالة طويلة المدى من السخط في المجتمع، قد تكون أحداث الشغب في اليونان مجرد بداية لها.

ولا يعد ذلك مفيدا بالنسبة إلى العامل اليوناني الذي قد يفقد وظيفته في الوقت القريب، لكن المشكلة الأساسية هنا هي اختلال التوازن العالمي، الذي أنتج وفرة في المدخرات في بعض مناطق العالم (الصين وألمانيا)، وهو ما أدى بدوره إلى أسعار فائدة منخفضة قللت من شأن مخاطر بعض الاستثمارات (قروض الرهن العقاري ذات التصنيف الائتماني المنخفض، والسندات اليونانية).وحتى يتم التحقق من صحة تلك الاختلالات، يمكننا التطلع إلى فقاعات جديدة في الأصول وموجات جديدة من الهلع. ولا تزال «حزمة الذئاب»، كما وصف وزير المالية السويدي السوق الجشعة، ساكنة، تنتظر أن تنقض على القطاع القادم المبالغ في تقييمه أو الجزء القادم من العالم.

لا أحسد السلطات الصينية. إنهم يجلسون فوق ما يمكن القول بأنه الفقاعة الكبيرة الأخيرة. ذكرت «بلومبيرغ نيوز» الثلاثاء الماضي أن التضخم في الصين تسارع في شهر أبريل (نيسان)، وأن إقراض البنوك لديها تجاوز التوقعات وأن أسعار العقارات بها ارتفعت ارتفاعا قياسيا. وفي الوقت الذي يراقب فيه الصينيون مثيري الشغب في شوارع أثينا، فإنهم يحصلون على تذكرة واضحة لتكلفة التخبط في السياسة الاقتصادية، والسماح للتدفق الحر والواسع لرأس المال بأن يشوه المخاطر الحقيقية للنشاط الاقتصادي.

* خدمة «واشنطن بوست»