رهينة لجدول زمني

TT

لا تعكر دقات الساعة من صفو الهدوء غير العادي الذي يحافظ عليه الجنرال ديفيد بترايوس فيما يتعلق بأفغانستان. ومن الناحية الرسمية، تقع القيادة المركزية الأميركية هنا، لكن في الوقت الحالي فإنها في المكان الذي يوجد فيه بترايوس، والذي لم يكن مكانا محددا لوقت طويل. يبقى في الخارج نحو 300 يوم سنويا، ويسافر في أرجاء منطقة واسعة بها مسؤولياته، تمتد من مصر إلى أفغانستان، حيث تبقى سمعته الكبيرة رهينة لجدول زمني.

لقد سطر بترايوس فصلا خاصا به في التاريخ العسكري الأميركي بالدعوة إلى زيادة عدد القوات داخل العراق وإشرافه على ذلك، وهو الأمر الذي ساعد على تقويض حركة التمرد هناك. وكان ذلك موقفا أتيحت فيه لمفكر عسكري فرصة كاملة للجمع بين النظرية والتطبيق.

واليوم، لم يصل حتى الآن سوى نصف عدد القوات الإضافية داخل أفغانستان، والتي يفترض أن تصل إلى 30 ألف جندي، حسب ما أعلنه الرئيس باراك أوباما في خطابه داخل ويست بوينت قبل خمسة أشهر. وسيصل العدد الباقي إلى هناك بحلول نهاية أغسطس (آب). وبعد مرور 11 شهرا على ذلك، يفترض أن يبدأ الانسحاب الذي وعد به الرئيس، في جملة تلت جملة الإعلان عن نية إرسال قوات إضافية.

لكن، ينبه بترايوس إلى أن كلام الرئيس، الذي عبر عنه بصورة مناسبة، يعطي متسعا من الوقت لتحقيق الأهداف الأميركية. وقال الرئيس في الأول من ديسمبر (كانون الأول) الماضي إن «نقل قواتنا خارج أفغانستان» يجب أن يكون «مسؤولا» ويعني ذلك «الأخذ في الاعتبار الظروف في الميدان» وتوفير «قدرات أفغانية» أفضل.

ويتحدث بترايوس، الذي يهوى إظهار الفروق البسيط، عن «تقليل» وليس «إنهاء» الدور الأميركي، وهو «ما نقوم به حتى الآن داخل العراق». وسوف يستغرق ذلك بعض الوقت لأن مكافحة التمرد داخل المجتمعات الضعيفة التنمية تتضمن بناء دولة. وهذا ما يعيدنا إلى دقات الساعة.

ويعتقد بترايوس أن السياسة الحصيفة بالتعامل مع «واد بعد واد وقرية وراء أخرى» يمكن «أن تقوض حركة طالبان». لكن انسحاب القوات الأميركية أخيرا من وادي كورنغال أظهر تغيرا في المهمة، فبدلا من القيام بغزو واد وراء آخر، يريد بترايوس التركيز على حماية المراكز السكنية، حيث يعيش أكثر من 70 في المائة من الأفغان.

وربما يعني ذلك التنازل لسيطرة حركة طالبان على منطقة مثل المنطقة التي كانت تسيطر عليها عندما وصل أسامة بن لادن عام 1996 لبدء التخطيط لعملية وقعت بعد خمسة أعوام. وحيث إن حركة طالبان ليست تنظيما إرهابيا متعدد الجنسيات، فإن سبب وصف أميركا لهزيمة أو ترويض حركة طالبان بأنه «مصلحة وطنية مهمة» يتعلق بمنطقة: وإلا يمكن أن يحصل تنظيم القاعدة على مكان للتدريب والتآمر تحت حماية حركة طالبان أو في ظل عدم اكتراث من جانبها.

ويتحدث بترايوس قليلا عن هزيمة حركة طالبان هزيمة حاسمة عسكريا، في مقابل كلام أكثر عن «إعادة دمج» العناصر الموجودة في مستوى أدنى بالحركة في المجتمع و«المصالحة» مع المستوى الأعلى. وربما يبدو ذلك مثل قطعة كيك لو كنت مشاركا في الأيام المظلمة داخل العراق، كما كان بترايوس. في ديسمبر 2006، وفي ذروة أعمال العنف داخل العراق، كان يُعثر على متوسط 53 جثة في شوارع بغداد كل 24 ساعة، وتكون عادة مقطوعة الرأس وممزقة الأطراف بسبب عمليات تعذيب. ويقول إن العاصمة الأفغانية كابل يسودها هدوء، فيما عدا السيارات المفخخة التي تنفجر من حين لآخر، ولا تمثل أهمية كبيرة من الناحية الاستراتيجية.

ويقول بترايوس، الذي يميل إلى التقليل، إن أفغانستان «أشبه بمكان به حركات مختلفة». ويعقّد ذلك من جهود مكافحة التمرد، التي كتب بشأنها كتاب الدليل الميداني لمكافحة التمرد للقوات البرية والمارينز الأميركية المكون من 472 صفحة. وتكتنف جهود مكافحة التمرد المكونة من ثلاثة محاور (التطهير والسيطرة والبناء) مشكلات متشابكة.

أولا: هل تكون المنطقة قد «تطهرت» فقط لأن حركة طالبان قامت بإخلائها وهي تعلم أنها يمكنها الانتظار حتى رحيل العدو ثم العودة؟ سيعود الأميركيون إلى بلدهم، وستبقى حركة طالبان في الداخل. ثانيا: ما الذي يمكن أن تسيطر عليه قوة تحارب التمرد وهي تركز على استراتيجية للخروج؟ وثالثا: هل يمكن بناء شيء دائم إذا كان ما جرى تطهيره يخضع إلى سيطرة بشروط؟

ويجب أن تتضمن الإجابة عن هذه الأسئلة القضاء على تمرد من خلال تسوية سياسية، بعد أن أوهن استخدام العنف حركة التمرد، مع إضعاف حيويتها من خلال مؤسسات جديدة وبنية تحتية اقتصادية.. وبناء دولة. إن ما يصفه بترايوس بأنه «اتجاه حكومة بالكامل» لا يعِد بنهاية أنيقة «والصعود على التل لغرس العلم والعودة إلى أرض الوطن لحضور موكب نصر». إن القضاء على حركة تمرد «ليس مثل زر مصباح كهربي، لكنه مثل مقاوم متغير». يحكي قصة أفغاني ينتظر 99 عاما للانتقام، وبعد ذلك يأسف لنفاد صبره. هذه المقاربة تعطي فكرة عن نظرة الأفغان للأجانب «معكم ساعات اليد، ومعنا الوقت».

* خدمة «واشنطن بوست»