فصل جديد من المهزلة الكبرى

TT

اتخذت هيئة كبار العلماء بالسعودية موقفا حادا وحازما في مسألة تمويل الإرهاب، وأصدرت رأيها التاريخي المهم في هذه المسألة، الذي جاء على شكل فتوى تحرم ذلك بشكل واضح ومفند، وتبين فيها أشكال التمويل المقصود، الذي وضحت فيه أيضا أن الإرهاب جريمة تستهدف الإفساد وزعزعة الأمن والجناية على الأنفس والأموال والممتلكات الخاصة والعامة كالمساكن والمدارس والمستشفيات والمصانع والجسور والطائرات والموارد العامة للدولة كأنابيب النفط والغاز وغير ذلك.

ويعتبر تمويل الإرهاب إعانة على هذا الفعل المجرم وبذلك أقرت الهيئة أن تمويل الإرهاب محرم وجريمة يعاقب عليها فاعلها بموجب الشرع سواء بتوفير الأموال أو تجميعها أو المشاركة بأي وسيلة كانت، وهذا القرار سيحسب للسعودية، أنه تفنيد تاريخي وغير مسبوق بهذا الشكل في عالم بات من الضرورة فيه أن تكون درجات اليقظة استثنائية، والحذر متواصلا. ولأن الإرهاب لا شكل ثابتا له، والممولين المباشرين وغير المباشرين يوجدون في المجتمع بأشكال مختلفة وليس بالضرورة أن يكونوا بملابس رثة ويختبئوا بين الكهوف، فهم قد يكونون شخصيات معروفة أو غير معروفة يتسترون خلف أرتال من العناوين المبهرة والمشاريع البراقة ومحلات الخير المريبة بين المقاولات والمستشفيات والتبرعات والمدارس وإعلانات الشكر بأسماء شخصية أو حتى بأسماء الأم والخال وغير ذلك من درجات القربى! فأصبح، بالتالي، التعامل معه بشكل أعم وأدق مطلوبا.

ولأن العالم تحول اليوم إلى قرية صغيرة متشابكة تتعارض خطوط التماس فيها بشكل مدهش، فإن التصريح الذي صدر من قطب بارز في الكونغرس الأميركي بخصوص قضية مالية خليجية يستحق التمعن والتدبر لأهميته.

بيتر كينغ عضو رفيع المستوى في الكونغرس الأميركي، في لجنة الأمن القومي، أعرب عن قلقه الشديد ومخاوفه الكبرى في رسالة وجهها إلى النائب العام الأميركي (وهو المنصب المقابل لوزير العدل هناك)، يقول في الرسالة إنه قلق من احتمال وجود ثغرات مصرفية في نظام الرقابة المصرفية الوطنية التي قد تسمح للمؤسسات المالية الأميركية بأن تساهم في عمليات عالمية ضخمة لغسل الأموال تدار من شخصية معروفة في الشرق الأوسط، ويشير كينغ في خطابه بالاسم وبشكل مباشر عن شخصية خليجية متورطة في تهم تزوير وكذب واحتيال وسرقة وغسل أموال من أطراف محلية وإقليمية وعالمية وها هو الموضوع ككرة الثلج آخذ في التطور ليدخل الكونغرس الأميركي الآن على الخط بشكل واضح عبر أحد أهم أعضائه، ولعل ما يقلق عضو الكونغرس كينغ هو استخدام هذه «الشخصية» الملاحقة قضائيا لحساب مصرف بنك أوف أميركا في نيويورك في عمليات صورت على أنها مريبة وكيف أن البنك لم يرفع الرايات الحمراء للتنبيه على وجود مخالفات ومخاوف هائلة.

ولم يكتف عضو الكونغرس بما ذكره ولكن أوضح وبصورة أخطر أنه في حالة التأكد بعد التحقق من الادعاءات ضد هذه الشخصية الملاحقة سيكون شهادة على أن النظام المصرفي أخفق في اكتشاف مشروع غسل أموال من منطقة عالية المخاطر يمكن أن يكون نذيرا لأحداث لا تحمد عقباها ربما فيما يتعلق بمصادر تمويل الإرهاب، وهذا هو المدخل الخطير والجديد الذي يجري الحديث عنه، الآن هناك خيوط يجري الكشف عنها بالتدريج وبالأوراق والأدلة والمستندات التي أثبتت التزوير وبعدها كشفت عن غسل الأموال (وكلتا التهمتين تجري المطالبات القضائية بحقهما ضد الشخصية المذكورة وفي مواقع مختلفة حول العالم ومن أطراف عدة)، والآن يجري الحديث عن احتمال وجود شبهة المساهمة بطرق غير مباشرة في تمويل الإرهاب عن طريق أطراف ثالثة.

الموضوع حقيقي ومفزع وهو أخطر من خيال أي سيناريو أو مشاهد فيلم من أفلام المغامرات والإثارة، الرأي الشرعي السعودي والحراك التشريعي الأميركي يثبتان أن المصلحة العليا تقتضي الحراك على الأموال المريبة، وهي مسؤولية المجتمع الدولي بكل أشكاله. القصة الوهمية التي بنيت على فقاعات من الأكاذيب شارفت على نهايتها ومع كل صفحة جديدة تزداد الرائحة «النتنة» والسيرة «الشينة»، إنها بؤس الخاتمة ولكن كما قيل في السابق يقال في الحاضر: لا يصح إلا الصحيح مهما زين الباطل «بمكياج» الخير فهو يبقى باطلا.. والباطل زهوق.

[email protected]