زويل والحظ الجميل

TT

بدعوة كريمة من مؤسسة الفجيرة للثقافة والإعلام، وبالتعاون مع جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا، طلب مني تقديم عرض عن تجربتي المتواضعة في عالم النشر الإلكتروني. المشهد: قاعة أكاديمية مليئة بأساتذة وطلاب العلم. شارك معي في الندوة آخرون أثروا الندوة بأكثر من مشاركتي فيها. فجأة، تعلو نبرة أجواء المشهد حماسة شديدة لإعلامي «مناضل» منقطع النظير. الصرخة: الإنترنت مؤامرة على اللغة العربية! تضج القاعة بين الاستغراب والضحك. واضح أن بين الحضور أفرادا من جيش «الجهاد الإلكتروني». حاول زميل سوداني «إنترنتي» أن يشرح أن هناك لغات أخرى في هذا العالم غير العربية، وأن الإنترنت متاح للعرب ولغيرهم وبكافة لغات العالم، وأن محركات البحث أصبحت تستخدم العربية في عناوين المواقع. جهود السوداني ضاعت هباء منثورا. المناضل العتيد مسؤول في إحدى كبريات الصحف العربية المطبوعة، لذا فهو يعتبر الإنترنت مؤامرة على اللغة العربية. عرف السبب، فبطل العجب!

بعد يومين، يتغير المشهد. نادي دبي للصحافة، افتتاح منتدى الإعلام العربي السنوي بحضور الشيخ محمد بن راشد. تظاهرة عالمية وحدث إعلامي هائل يشارك فيه الآلاف من كل مكان. ضيف المنتدى هذا العام العالم الأسطوري أحمد زويل - الفائز بجائزة نوبل للعلوم. كنت قد التقيته على غداء خاص بالكويت قبل عشر سنوات وبعد فوزه بالجائزة بشهور. عرفت وقتها إنسانا متواضعا مؤدبا وخجولا نوعا ما، لم يقل كثيرا في ذلك الغداء. هذه المرة، لم يفارقه في دبي خجله وتواضع العلماء، لكن الواحد يكتشف جانبا آخر من شخصية هذا الإنسان الفذ. طلب منه الحديث حول العلاقة بين العلم والإعلام: يحمل هموم الأمة ويحث على التعليم النوعي، ولا يرى للأمة أملا وبها ما لا يقل عن 30% من الأميين، امتدح المنهج التعليمي في مصر أيام عبد الناصر حين درس في الجامعة، لكنه يرى أن ذلك المنهج لم يعد صالحا لعالم اليوم. طالب بنهضة تعليمية في مناهج التعليم. تحدثت في مداخلتي بأن المطلوب ثورة منهجية - في المناهج - سماها هو نهضة لتخفيف وقعها.

كان متدفقا مترابط الحديث. أطلق ما يعتبره الإعلاميون «خبطة صحافية» حين أعلن أنه متأكد ممن سيفوز بجائزة نوبل القادمة للعلوم. اكتشاف سيغير وجه تاريخ العلوم الطبية وسيلغي الحاجة للعيادات والمستشفيات. سيُنشر بحث خلال أسابيع عن اكتشاف علمي يمكّن من القدرة على أخذ عينة خلايا جذعية من طفل مولود والاحتفاظ بها لتطويرها مستقبلا لاستخدامها باستبدال خلايا تالفة حين يكبر هذا الطفل. شريحة لتفاصيل الخريطة الجينية لطفل المستقبل يراسل الطبيب بمحتوياتها عبر الإنترنت (المؤامرة)، يستطيع الطبيب من خلال قاعدة بيانات التعرف عما يعاني منه المريض عبر هذه الخريطة الجينية، بل تظهر قاعدة البيانات عدد المصابين بنفس المرض في العالم أجمع. ليس هناك من داع للمشافي والأسرة والمباني. ثورة طبية هائلة في الطريق ستغير وجه التاريخ.

صمت في القاعة وجمهور مشدود للشرح: سيكون بالإمكان مستقبلا القضاء على الأمراض المستعصية من خلال هذه الخلايا الجذعية: السكري وأمراض القلب وارتفاع ضغط الدم. تذكرت صاحب صرخة: الإنترنت مؤامرة على اللغة العربية. في حديثه عن الإعلام، استغرب الدكتور أحمد زويل من كثرة الفضائيات الدينية، وتطاير الفتاوى على الهواء لكل من هب ودب. تذكرت جيش «الجهاد الإلكتروني»!

استغرقت المحاضرة ساعة، لكنها مضت كأنها دقيقة من المعرفة المستفيضة.

الجيل القادم سيكون أكثر حظا وصحة لمعايشته الثورة الجينية القادمة.

اشترك زميلي السوداني في عضوية لجنة بيان للتوصيات: عدو الإنترنت ضمن أعضائها! كم أنا محظوظ! كان الله في عون الزميل السوداني!