سياسات أوباما قد تعزز انتشار الأسلحة النووية

TT

هناك ثلاث طرق أعتقد من خلالها أن القرارات الأخيرة التي اتخذتها إدارة أوباما تعزز من غير قصد انتشار الأسلحة النووية بدلا من تقييدها.

عند الحكم على السياسات الكثيرة التي طرحها الرئيس أوباما خلال الأسابيع الأخيرة من أجل التحرك تجاه التوصل إلى عالم خال من الأسلحة النووية، علينا أن نضع في الاعتبار الرأي القديم للقاضي أوليفر ونديل هولمز الابن: لكي تفهم القانون، عليك أن تنظر إليه من منظور رجل سيئ.

أولا: اقترح الرئيس وآخرون تعزيز حظر الانتشار عن طريق عزل المواد النووية في مستودع دولي واحد. والفكرة هي أن الجهات التي تحتاج إلى اليورانيوم المخصب من أجل الاستخدام في أغراض سلمية تستطيع الحصول عليه من هذه المنشأة حسب الحاجة إذا ما وعدت بعدم سلوك طريق صنع الأسلحة النووية. وقد يخفض وجود تصميم مفاعل أكثر تقدما في يوم من الأيام مخاطرة الانتشار. لكن ذلك أيضا في المستقبل.

لا ينبغي أن نفكر في كيف سينظر الأيرلنديون، على سبيل المثال، إلى نظام حظر الانتشار الحالي. فبدلا من ذلك، علينا أن نفكر في كيف ستنظر إليه القوى الحاكمة في إيران وكوريا الشمالية أو غيرهما من الأنظمة التي تميل بصورة سرية إلى السعي لامتلاك مواد لتصنيع الأسلحة النووية. وفي العالم الذي نعيش فيه الآن، تعد هذه القوى قادرة تماما على العمل باجتهاد لاستغلال النظام الحالي أو أي نظام مستقبلي للسعي للحصول على الأسلحة النووية.

ونشأت معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية بوضعها الحالي من برنامج «الذرة من أجل السلام» للرئيس الأميركي أيزنهاور في خمسينات القرن الماضي. وفي الواقع، تشجع هذه المعاهدة الدول التي تحصل على المفاعلات النووية لإنتاج الكهرباء على تخصيب اليورانيوم أيضا. تكمن المشكلة في أنه إذا ما قامت دولة بتخصيب اليورانيوم بدرجة 3 في المائة، وهي الدرجة التي تناسب تشغيل مفاعل لإنتاج الكهرباء، فإنها تكون قد أنجزت ما يقرب من ثلاثة أرباع العمل المطلوب للاتجاه نحو التخصيب بدرجة 90 في المائة، وهي الدرجة المطلوبة لتصنيع قنبلة نووية.

وبمجرد أن تصل أي دولة إلى مستوى أعلى من التخصيب، فإن الأسلحة تصبح شيئا سهلا نسبيا. وتعد القنبلة البسيطة مثل القنبلة التي أسقطتها الولايات المتحدة على هيروشيما هي الطريقة التي تبدأ بها أي دولة النشاط النووي. ولسوء الحظ، من السهولة إلى حد ما تصميم وإنشاء هذه القنبلة. (وهذا هو السبب في أن تقديرات المخابرات الوطنية لعام 2007، التي قالت إن إيران أوقفت جهودها الرامية إلى تصنيع أسلحة نووية، كانت التقديرات الأكثر تضليلا في التاريخ. إنها أيضا واحدة من أكثر التقديرات أهمية نظرا لأنها أعطت الانطباع بأن الإيرانيين قد أوقفوا ما كان أهم من أجل الوصول إلى بداية القنبلة النووية، وهو تخصيب اليورانيوم. لكنهم كانوا يفعلون ذلك بأفضل طريقة ممكنة. وربما يكونوا قد توقفوا فقط عن أعمال تصميم الأسلحة).

وبالانسحاب من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية - لتتفادى بذلك المراقبة - أو وضع منشآتها بصورة سرية في أحد الجبال، تستطيع إيران أو أي أنظمة أخرى لها نفس الطريقة في التفكير معالجة قدر كاف من اليورانيوم منخفض التخصيب ليصل إلى مستوى التخصيب 90 في المائة التي تحتاج إليه لتصنيع الأسلحة.

والقنبلة النووية الإيرانية الأولى ليست في حاجة إلى أن تكون قنبلة متطورة إلى هذا الحد. فأي شيء يحدث دويا ويطلق سحابة نووية في سماء الصحراء الشمالية الإيرانية - حتى وإن لم يكن له معدل مقبول بالنسبة إلى ناتج الانفجار إلى وزن القنبلة، حتى وإن لم تناسب الجزء المخروطي الأمامي من صواريخ سكود - فسيجعل إيران قوة نووية.

وسيؤدي ذلك إلى تغيير العالم.

وشأنها شأن إيران، تقول الدول الأخرى، بما في ذلك فنزويلا والمملكة العربية السعودية، إنها تسعى للحصول على طاقة نووية «سلمية» من أجل إنتاج الكهرباء. ونظرا للموارد النفطية الهائلة لهذه الدولة، فإن ذلك يعد هراء واضحا. إن هذه الدول تسعى فقط إلى امتلاك مفاعل كي تدخل في دائرة الوقود، وهي الطريق إلى اليورانيوم عالي التخصيب وخامات تصنيع القنبلة النووية.

وإذا واصلنا ضمان صادرات الطاقة النووية من الولايات المتحدة وغيرها من الدول بحيث تستطيع الدول امتلاك التكنولوجيا من أجل مفاعلات الماء الخفيف في الوقت الراهن - التي تجعلهم في دائرة الوقود - فإننا سنصبح أول من يقدم الأسلحة النووية.

وإذا ساعدت الولايات المتحدة على انتشار مفاعلات الماء الخفيف، وبناء عليه انتشار اليورانيوم المخصب في جميع أنحاء العالم تحت مسمى الطاقة الذرية السلمية، فإن ذلك يؤدي إلى مشكلة ضخمة وخطيرة.

ثانيا: تجسد مراجعة الوضع النووي التي أجراها الرئيس أوباما، وتسعى إلى تحديد الظروف التي قد تستخدم فيها الولايات المتحدة الأسلحة النووية، التردد فيما يتعلق بالردع. وقد يشك بعض الحلفاء، الذين استطاعوا في الماضي الاعتماد على الولايات المتحدة لحمايتهم من الهجمات من خلال «الردع الموسع»، في الوقت الراهن فيما إذا كانت المظلة النووية الأميركية لا تزال تغطيهم أم لا. وفي ظل سياسة أوباما الجديدة، إذا تعرض أحد الحلفاء للهجوم بأسلحة بيولوجية، ستقوم الولايات المتحدة بدراسة الأمر لترى أولا ما إذا كان الطرف الذي تعرض للهجوم يلتزم بمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية أم لا، حيث إننا لن نرد باستخدام الأسلحة النووية إذا كان الطرف المهاجم قد وقع على هذه المعاهدة ولم ينتهكها.

والفكرة هي أنه إذا استمرت الولايات المتحدة في اتخاذ خطوات بحسن نية من أجل توضيح وخفض الظروف التي ستستخدم الأسلحة النووية فيها لحماية حلفائها، فإن العالم قد يكون إذن في طريقه إلى أن يصبح خاليا من الأسلحة النووية. ومع ذلك، يبدو من المنطقي أن الحوافز ستحقق نجاحا فقط في الطريق المعاكس. وقد يستنتج حلفاء الولايات المتحدة أن «هؤلاء الأميركيين لا يحموننا بالطريقة التي اتبعوها أثناء الحرب الباردة، لذا من الأفضل بالنسبة إلينا أن نمتلك الأسلحة النووية».

وبعد الاختبار النووي الذي أجرته كوريا الشمالية، سئل مسؤول ياباني، لم يذكر اسمه، حول ما إذا كان هذا الاختبار يعني أن اليابان ستتجه إلى الأسلحة النووية. إنهم في الحقيقة يمتلكون أطنانا من البلوتونيوم المتوافرة من برنامج الطاقة النووية الخاص بهم. وقال: «لا، إن بيننا وبين الولايات المتحدة معاهدة أمن مشتركة وإننا نثق في الأميركيين... لكن، إذا قررنا امتلاك الأسلحة النووية، فإن الأمر سيستغرق أقل من 200 يوم لتصنيعها».

أخشى أنه نتيجة للوضع النووي الجديد الذي أعلنت عنه إدارة أوباما سيبدأ بعض الأصدقاء والحلفاء، الذين كانوا يشعرون في الماضي بالحماية في ظل المظلة النووية الأميركية، في التخطيط لخيارات بديلة «من أجل أي احتمالية».

ثالثا: نتيجة للسياسات الجديدة للرئيس أوباما، فلن يكون فقط حلفاؤنا القلقون هم الذين قد يتجهون نحو الحصول على الأسلحة النووية، لكن أعداؤنا كذلك سيتجهون إلى نفس الأمر. لقد قللت الولايات المتحدة من الأسلحة المنشورة، التي بلغت نحو 8000 سلاح قبل عقد من الزمان، إلى نحو 2000 سلاح في الوقت الراهن. إننا في الفترة الحالية منخرطون في عملية خفض هذا العدد، بعد أن قمنا بخفضه إلى الربع تقريبا.

لم أسمع أي فرد يشيد في سورية أو بورما، ويقول: «يعني ذلك أننا لن نحتاج أبدا إلى الأسلحة النووية». لا أعتقد ذلك. هناك شيء واحد صائب قاله أسامة بن لادن: عندما ينظر الناس إلى حصان قوي وحصان ضعيف، فإنهم يحبون الحصان القوي أكثر.

ومن وجهة نظر سورية أو إيران أو كوريا الشمالية، فإن الحقيقة التي تقول إن الولايات المتحدة تصر على حلم الوصول إلى عالم خال من الأسلحة النووية وتتخلى عن التحديث في الوقت الذي تتقدم فيه هذه الدول تجاه امتلاك الأسلحة النووية، تجعل الولايات المتحدة تبدو مثل الحصان الضعيف. أخشى أن يشجع ذلك هذه الأنواع من الدول بدلا من تثبيطها.

لا أفهم كيف تنجح الحوافز المعلن عنها! فهذه الدول لن توقف برنامجها النووي وتقول: «الأميركيون يتخلون عن الأسلحة، وسنفعل ذلك أيضا». فهذه ليست نظرة على الوضع من وجهة نظر الرجل السيئ في مقولة هولمز.

ولهذه الأسباب، أخشى أن تكون الدول التي تعادي الولايات المتحدة، وبعضها لديه علاقات مع جماعات إرهابية، أكثر ميلا، وليس أقل، للتحرك تجاه الحصول على الأسلحة النووية.

وفي رأيي، لن نكون أذكياء فيما يتعلق بانتشار الأسلحة النووية إذا تحركنا في الاتجاه الذي اختاره الرئيس أوباما. سيصبح انتشار الأسلحة النووية مشكلة أكبر.

* المدير الأسبق لوكالة المخابرات المركزية الأميركية. عمل مستشارا وكبيرا للمفاوضين في أربع جولات من المفاوضات بشأن الحد من الأسلحة مع الاتحاد السوفياتي أثناء الحرب الباردة

* خدمة «غلوبال فيوبوينت»