ابن آوى والدجاجة

TT

تردني بين يوم وآخر على الإنترنت شتى الفتاوى وأخبار الفتاوى التي يصدرها مشايخ من مشارق ديار الإسلام ومغاربها دون أن تكون لي ولا للكثيرين غيري أي معرفة عن أهلية الرجل في إصدار مثل هذه الفتوى. لا بأس في الفتاوى العقلانية والشرعية فهي تدل على حيوية دين الإسلام ومقدرته على مواكبة الأحداث وتطورات الزمن. بيد أن بعض هذه الفتاوى التي أخذت تدور بين الناس لم تعد تثير في قلوبنا غير الضحك والعجب والاستنكار. لا أريد أن آتي بعينات منها فأكون بمثابة ناقل الكذب والزور، بل والكفر، لا سيما أن بعضها راح يمس طهارة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين.

بيد أنني تذكرت وأنا أفكر في الأمر، الحكاية الفلكلورية التي شاعت بين أهل العراق عن ذلك الثعلب العجوز الحكيم. قالوا إن زوجته الثعلبة المصون لاحظت ما بدا على زوجها الثعلب الحكيم من معالم الكبر والشيخوخة فقالت له: «يا حبيبي أبو ثعلبون، لقد بلغت من الكبر عتيا، وآن لك أن تسلم مهمات الصيد لأولادك، كما يفعل كل هؤلاء الوزراء الفاسدين في هذا البلد. علمهم على الصيد والقنص ودعهم يجربون حظهم ويتعلمون». هز أبو ثعلبون رأسه استحسانا لكلمات زوجته، وهو ما لا يفعله الكثير من رجالنا.

نادى أولاده، الثعيلبات الصغيرة، وخاطبهم بذلك ووعظهم في كيفية الصيد والتربص للفريسة. ثم أطلقهم ليجربوا حظهم. عادوا بعد سويعات وقد أمسك كل منهم بفريسته، وكانت كلها من توافه ما يؤكل، هذا جاء بفرخ عصفور لا يزيد حجمه عن إصبع، وذاك جاء بخنفسة يابسة، والثالث جاء بفأر عليل، وهلم جرا. بيد أن واحدا منهم أحضر دجاجة كبيرة محمَّصة محمَّرة ومطيبة بالتوابل تسرّ الناظرين. تعجب الوالد من أمرها فسأل ابنه عنها: «كيف يا ولدي حصلت على هذه الغنيمة؟» فقال: «رأيتهم يحملون هذه الدجاجة إلى إمام المسجد. وما كاد يجلس ليتعشى بها حتى دوى صوت المؤذن من المنارة. فلم يعد بيديه غير أن يترك الدجاجة ويذهب ليتوضأ ويؤم المصلين في المسجد. وفيما كان بعيدا عنها، غافلته وسرقت هذه الدجاجة وجئت بها. وها هي أمامنا طعامنا هذا المساء».

استمع الثعلب الكبير إلى هذا الكلام ثم التفت إلى ولده وقال: «أحسنت في صيدك، ولكن هيا وأسرع وأعد الدجاجة إلى صاحبها».

«ولم ذلك؟» قال الثعيلب الصغير متعجبا.

«سيعود هذا الإمام ليتعشى فلا يجد الدجاجة حيث تركها، فيسأل عن مصيرها فيقولون له إن ثعلبا جاء وخطفها. فيخرج ويصعد المنبر ويصدر فتوى بقتل كل الثعالب في البلاد ويقول إن قتل ابن آوى من أوجب واجبات المسلم. فيُعمِل المسلمون سيوفهم فينا... أسرع يا ولدي وأعد الدجاجة إليه ولا توقعنا - نحن معشر الثعالب - في محنة هذه الفتوى».