صناعة الإرهابيين

TT

المصير الواحد الذي لا يتحتم على المعلق المحافظ دانيال بايبس أن يشعر بالقلق إزاءه هو الغرق في التعقيد المفاهيمي، حيث إنه يجعل نظرياته بسيطة. ونظريته بشأن السبب وراء محاولة فيصل شاه زاد تفجير قنبلة في ميدان التايمز الأسبوع الماضي هي «نية الجهاد».

كان مقال بايبس ينطوي على الازدراء للتفسيرات الأخرى، التي تقول إن شاه زاد كان غير مستقر عاطفيا، على سيبل المثال، أو أن هذه القنبلة كانت ثمنا للعمليات العسكرية التي قامت بها الولايات المتحدة في باكستان. وفي عالم بايبس، على ما يبدو أن هذه التفسيرات مناوئة لتفسير «نية الجهاد»، ولا يمكن أن تبرز في وصف كيف تبنى شاه زاد نية الجهاد في المقام الأول.

ويبدو أن جيفري غولدبيرغ، مراسل مجلة «ذا أتلانتيك»، يوافق على أن الفكر الجهادي نوع من المحركات الأساسية للإرهاب. وبعدما أشار المدونون إلى أن شاه زاد فقد منزله في إحدى قضايا الرهن العقاري، رفض غولدبيرغ الفكرة التي تقول إن «الأزمة المالية في البلاد، وليس الفكر الجهادي، على سبيل المثال، هي السبب الجذري وراء رغبة شاه زاد في ارتكاب جريمة القتل في ميدان التايمز».

أود دعوة بايبس وغولدبيرغ إلى تخيل عالم بديل، عالم لا يكون فيه بعض السلوكيات، مثل زرع القنابل، لها سبب «جذري» واحد. وفي هذا العالم، يعد سلوك زرع القنابل إلى حد ما مثل القنابل في حد ذاتها: ينبغي وضع عدد من هذه المكونات معا قبل أن تنفجر الأشياء. إذا فهمت ما هي هذه المكونات، وأيها يمكنك السيطرة عليه، فقد يمكنك جعل سلوك زرع القنابل أقل شيوعا.

وفي العالم الذي أفترضه، من الممكن تصور السيناريوهات التالية:

ينتقل شاب باكستاني إلى أميركا، ويدرس في الجامعة، ويحصل على وظيفة، ويكون أسرة. ويصبح غير سعيد. ربما تكون لديه مشكلات مالية (على الرغم من أنني أشك، لأسباب لخصها تشارلز لين هنا، في أن الحجز على منزل شاه زاد يعني في الواقع الكثير)، أو أن المشكلة هي فقط أنه لم يعثر على البيئة الاجتماعية الملائمة. أو ربما كان غير مستقر إلى حد ما في بادئ الأمر، مما يجعل الأمر أكثر صعوبة أن يعثر على هذه البيئة الاجتماعية الملائمة وقد يجعل ردة فعله على عدم العثور عليها أكثر حدة.

وعلى أي حال، وبغض النظر عن السبب، إنه يشعر بالغربة في أميركا. فهو يظل على اتصال بأناس وأحداث من وطنه باكستان، وذلك يعطيه سببا آخر لكره أميركا: الطائرات الأميركية من دون طيار تقذف باكستان، وفي بعض الأحيان تقتل النساء والأطفال.

الصقور الذين يؤيدون الحرب على الإرهاب في حاجة إلى أن يسألوا: ما إذا كانت السياسات التي يفضلونها قد خلقت إرهابيين أم لا؟

وبفضل الإنترنت، لم يستغرق الأمر منه وقتا طويلا كي يعثر على أناس يفكرون بالطريقة التي يفكر بها، أو يخضع لسلطان إمام يتبنى أفكارا راديكالية ويعمل من اليمن. «نية الجهاد» تشكلت لديه، وفي النهاية دخل حظيرة الجهاديين الحقيقيين، وهم فصيلة من حركة طالبان باكستان. لقد أعطوه ما لم يعثر عليه في أميركا: شعورا بالانتماء، وشعورا بأن له غاية وهدفا. المكونات الأساسية لسلوك زرع القنابل أصبحت متوافرة الآن.

ولست متأكدا من أن هذه هي قصة فيصل شاه زاد؛ حيث إننا لا نعرف الكثير حاليا. لكن هذه القصة تتفق مع الحقائق التي تم الكشف عنها بشأنه حتى الآن، لكن قصصا كتلك القصة تتكشف في العالم الذي نعيش فيه. كثير من الأشياء تدعم «نية الجهاد»، وقد تشمل هذه الأشياء سياسة إطلاق الصواريخ على باكستان.

وفي الحقيقة، يبدو أن هذه السياسة جزء من الدافع وراء ما قام به شاه زاد. حيث تفيد التقارير أنه أخبر المحققين بأنه كان مستاء بشأن الضربات التي قامت بها الطائرات من دون طيار.

وبكل وضوح، «آمل أن» القول بأن السياسات الأميركية قد تتسبب في الإرهاب ليس مثل القول بأن أميركا تتحمل مسؤولية الإرهاب. يمكن القول بأن هذه السياسات قد تكون لها سلبيات. وبكل وضوح، قد يكون لهذه السياسات إيجابيات كذلك؛ فعلى سبيل المثال، تؤدي الضربات التي تقوم به الطائرات من دون طيار إلى تعطيل الخدمات اللوجستية للإرهابيين.

ويحتاج توضيح الأسباب التي دفعتني إلى الاعتقاد بأن السلبيات غالبا ما تتفوق على الإيجابيات إلى مقال آخر. أما في هذا المقال، فتتمثل النقطة الأساسية في أن الصقور الذين يؤيدون الحرب على الإرهاب في حاجة إلى مواجهة السلبيات، بدلا من العمل كما لو أن ترسيخ دور «نية الجهاد» أو «الفكر الجهادي» يُنهي النقاش بطريقة ما. إنهم في حاجة إلى أن يسألوا ما إذا كانت هذه السياسات التي يؤيدونها خلقت إرهابيين في الخارج وفي الداخل، وهو ما يسبب مزيدا من القلق، في الوقت الذي تقتل فيه الإرهابيين في الخارج.

وهذه السياسات، التي يتبناها الصقور ومن المحتمل أن تكون لها نتائج عكسية، تتجاوز ضربات الطائرات من دون طيار، وهي الحقيقة التي يؤكد عليها الصقور أنفسهم من غير قصد. كانت هذه السياسة هي أول من سلط الضوء على الدور الذي لعبه أنور العولقي من اليمن في تحفيز شاه زاد وغيره من الإرهابيين. لكن، انظر إلى قصة تجنيد الجهاديين التي يروجها العولقي. فهو يقول إن أميركا تحارب الإسلام، ولتدعيم ما يقوله استشهد بأعظم الضربات في سياسة الصقور: غزو العراق، زيادة عدد القوات في أفغانستان، والهجمات التي تقوم بها الطائرات من دون طيار، وغيرها.

وربما تكون كل هذه السياسات، وليس فقط آخرها، قد ساعدت على تحريض شاه زاد. وبالرجوع إلى عام 2004، كما يتذكر أحد وكلاء العقارات، تحدث شاه زاد بصراحة على نحو غريب عن معارضته للحرب على العراق. وفي العام الماضي، طلب من والده الإذن للذهاب لمحاربة الأميركيين في أفغانستان. وعندما فقد هذه الفرصة، تحول إلى ميدان التايمز. (وهذا دليل ضد النظرية التي تقول إنه كان منذ البداية معاديا لأميركا.) وينطبق ذلك أيضا على اثنتين من الهجمات الإرهابية التي استهدفت أميركا خلال العام الماضي، وهما حادثة إطلاق النار في قاعدة فورت هوود العسكرية، ومحاولة تفجير إحدى الطائرات الأميركية. ووجد الجناة في الحادثين في سياسات الصقور سببا لاعتناق الفكر الجهادي.

أثارت الحروب في العراق وأفغانستان غضب الميجور نضال حسن، الذي قام بإطلاق النار في قاعدة فورت هوود. وكان المتهم في محاولة التفجير الثانية يعطي لمحات عن «نيته الجهادية» حينما كان طالبا في كلية لندن. وفي هذه الكلية، رعى مؤتمرا حول الحرب على الإرهاب، وكان الملصق الذي يعلن عن المؤتمر يحمل صورة لأحد المعتقلين في غوانتانامو، وكان هذا السجين معصوب العينين ومقيد اليدين وراكعا. وهذه الصورة الجهادية كانت مجاملة من ديك تشيني.

ولسوء الحظ، لا يتخلص الرئيس أوباما من طريقة بوش وديك تشيني، التي منحت الجهاديين مثل هذه النقطة الفعالة للحديث. بل وعلى النقيض تماما، يعتقد البيت الأبيض أن الدرس المستفاد من قصة شاه زاد قد يكون أنه ينبغي لنا أن نكون أكثر عدوانية في باكستان، وهو الشيء الذي من المحتمل أن يؤدي إلى إرسال مزيد من الجنود إلى ميدان المعركة. وبالفعل أجاز أوباما قتل العولقي.

وحتى باستثناء القضايا الدستورية (حيث إن العولقي مواطن أميركي)، ألا يرى أوباما ما هي الهدية التي سيمنحها قتل هذا الإمام للقضية التي يتبناها؟ ما عليك إلا أن تسأل الرومان كيف نجحت استراتيجية حركتهم المناهضة للمسيح. (لم يحفظ أتباع المسيح مواعظ قائدهم على ملفات مرئية ومسموعة؛ ستكون إحياء ذكرى العولقي قوية في الواقع).

عندما تنظر إلى كم الأدلة الطبيعية ضد وجهات النظر التي يتبناها الصقور الذين يؤيدون الحرب على الإرهاب، فلن يكون مفاجأة أنهم سيشيدون عالمهم الصغير، وهو مكان تكون فيه «نية الجهاد» قضية تلقائية، وأملنا الوحيد هو قتل أو تخويف الأشخاص، الذين ينشغلون بها، من خلال عملية سحرية تتحدى الفهم.

ما يثير الدهشة هو أن باراك أوباما، الذي أصبح مرشح الديمقراطيين لمنصب الرئيس لأنه كان يعارض الحرب على العراق، يبدو على نحو متزايد أنه يأخذ العظة من الأشخاص الذين كانوا يؤيدونها بصورة كارثية للغاية.

* خدمة «نيويورك تايمز»