وامعتصماه.. 2010

TT

عندك إيه اليوم؟» سأل شاب صديقه، فأجابه: «الساعة 2 راح اعتصم وبعدها بقابلك عالقهوة». في أكثر من عاصمة عربية يبدو الحديث العاطفي المتزايد عن ظاهرة الاعتصام لافتا للاهتمام. الاعتصام في المجتمعات الحرة والديمقراطية حق مكفول للتعبير وإبداء الرأي. هل هذه الظواهر هي فعلا أصوات شعوبها وبالتالي تتحدث عنهم، أم أنهم فئة يمثلون أنفسهم (أو غيرهم) ولكن من الباطن؟ أسئلة وجيهة فعلا.

توضع السيدات في الصفوف الأولى للاعتصام حتى يكون أي احتكاك برجال الأمن وعدم الانصياع لطلباتهم يترجم فورا إلى تحرش واعتداء جنسي فاضح يصور بكاميرات الهواتف الجوالة ويبث خلال ثوان على مواقع «اليوتيوب» و«الفيس بوك» ليتحول الحادث من فضيحة إلى فضيحة بجلاجل! «المطالبات» و«الحقائق» التي يقدمها بعض الأطراف المعتصمة فيها كم غير طبيعي من المبالغات والتهويل ودون توثيق، ولا أدلة تدعم الأقاويل، مما يجعل هذه المواقف في دائرة الشك، ومحاولة تفسيرها بطرق أخرى بعيدة عن أهدافها المعلنة والمهمة، وهو ما جعل تلك الاعتصامات «الشعبية» عبارة عن جهود فردية دون عمق عام يعطيها الغطاء «الشعبي».

مرة تخرج هذه الاعتصامات تتحدث بروح دينية فتجد الهتافات واللافتات والشعارات مليئة بالرموز الدينية ومظاهر اللحى والحجاب والمسابح والمصاحف. ونفس الوجوه تجدها في اعتصامات العمال والمزارعين فتكون الروح الطاغية في هذه المناسبة هي روح «يسارية» بامتياز وتكثر شعارات الاشتراكية وألوانها وأعلامها ورموزها. بعض هذه الاعتصامات لا تنشد الإصلاح لأجل الإصلاح ولكن لأجل مبدأ «أنا أحسن منه»، وبالتالي يجب أن أكون مكانه. وهذه الظاهرة الفوضوية تنتشر لتشمل الصحف المحسوبة على تيارات المعارضة ومواقع الإنترنت، فتنشر الأخبار والإشاعات الكاذبة لغرض «الشوشرة» وليس لأجل تبيان الحقائق؛ صور تعد بأساليب «معالجة» وتقنية خاصة لإبراز الجوانب الدرامية فيها وإحصائيات «مضروبة» لا سند لها ولا دليل.

كل ذلك يفقد قيمة المعارضة والاعتصام والرأي الآخر، ويتحول إلى سيرك رخيص. نعم الحرية مطلوبة وضمان حق الاعتصام هو من علامات النضج في المجتمعات الحرة. لكن أن يتحول ذلك إلى وسيلة زلزلة اجتماعية لا غاية لها سوى اللعب بأوتار السياسة لمصلحة أطراف بعينها، فهو جريمة كبرى. هناك قصور من بعض الحكومات في سياستها وتعاطيها مع حقوق ومتطلبات النخبة في بلادها، لكن علاج الخطأ بخطأ آخر لا يحقق إلا المزيد من الضرر. اعتصام 2010.. مشهد حزين.

[email protected]