لماذا تستفز السعودية هؤلاء؟

TT

ما الجامع بين أفيغدور ليبرمان وزير خارجية إسرائيل اليميني المتعصب، ورجل دين إيراني اسمه محمد باقر خرازي؟ الجواب هو: كراهية السعودية!

فقد نشرت صحيفة معاريف الإسرائيلية - حسبما ذكر تلفزيون روسيا اليوم في موقعه - أن إسرائيل تستعد لشن حملة دعائية عالمية ضد السعودية، ضمن حملة هي جزء من مسيرة سرية يقودها أفيغدور ليبرمان «بهدف إحراج النظام السعودي أمام المحاكم الدولية في قضايا تمس مكانة المرأة وحقوق الإنسان».

وأشارت الصحيفة إلى أن ليبرمان «سينقل خلال الأيام القليلة المقبلة إلى الولايات المتحدة رسالة شديدة اللهجة، تشمل اتهام السعودية بالضلوع في تمويل جميع الأنشطة المعادية لإسرائيل، وأنه سيطلب من واشنطن ممارسة ضغوط قوية على الرياض للتوقف عن ذلك». وذكرت الصحيفة أن ليبرمان «سيستخدم ضغط اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا وتحريض أعضاء الكونغرس الأميركي ضد السعودية واتهامها بأنها تقف وراء تمويل، ما يسميه ليبرمان، الإرهاب في العالم».

أما رجل الدين الإيراني محمد باقر خرازي - وقد وُصف بأنه ليس من ذوي المراتب المهمة في سلك رجال الدين، لكنه ينتمي إلى حزب الله الإيراني - فقد ذكرت وكالة الأنباء الفرنسية أنه دعا إلى إقامة ما سماه «إيران الكبرى» التي ستحكم الشرق الأوسط وآسيا الوسطى. وذلك في حدث اعتبر أنه سيمهّد لظهور الإمام المهدي.

وقال خرازي إن إقامة «ولايات متحدة إسلامية» يشكل هدفا جوهريا لـ«حزب الله» الذي يرأسه، مشيرا إلى أنه يأمل في تحقيق ذلك إذا فاز في الانتخابات الرئاسية المقبلة في إيران. وقال إنه يفكّر في «إيران كبرى» تمتد من أفغانستان إلى فلسطين، وتمهّد أمام ظهور الإمام المهدي، معتبرا أن قيام «إيران الكبرى» سيؤدي إلى تدمير إسرائيل والدول المنافسة المجاورة لإيران، التي اعتبرها «أوراما سرطانية».

طبعا هذه الدول «المنافسة» لإيران، والمجاورة لها، التي وصفها هذا الملا بالأورام السرطانية، وأنه سيعمل على إزالتها، يأتي في مقدمتها السعودية نفسها. فالسعودية في نظر متعصبي النظام الخميني هي العدو الأول لا إسرائيل، وما إسرائيل إلا بقرة حلوب لمشاعر الجماهير وحيلة نفسية جماهيرية للتصرف بمشاعر الجموع وخلق بؤر تأثير ضد الدول القائمة المستقلة عن إيران، من خلال استخدام قميص فلسطين.

لا نريد القول إن إسرائيل وإيران الخمينية متطابقتان في التفسير والمحفزات لاتخاذ هذا الموقف من السعودية، في سياستها الخارجية طبعا، فنحن طالما نادينا برفض التعميم والصور المعلبة والتفسيرات الجاهزة لكل حدث ولكل حالة، كما يصنع أهل التيارات العقَديّة المغلقة، لكن من اللافت أن يتطابق شعور الكراهية الشديدة للسعودية لدى طرفين يعلنان العداء بعضهما لبعض؟!

ولا نريد القول أيضا، كما يقول بعض أنصار التفكير المؤامراتي من متعصبي السنة أو العروبيين، خصوصا من البعث العراقي، إن ما يجري من عداء بين إيران وإسرائيل ليس إلا مسرحية محكمة لاستنزاف العرب، حسب لغة القوميين، أو السنة، حسب لغة الأصوليين. فبالنسبة إلى إسرائيل الخطر النووي الإيراني خطر ماثل، ولو بنسبة 10% لأن المبدأ الإسرائيلي في حماية الأمن القومي يقوم على ضمان تحقيق التفوق العسكري الساحق، والقضاء على أي مصدر خطر محتمل، خصوصا أن حزب الله اللبناني المنضوي في الفلك الخميني الإيراني قد دخل بالفعل في حروب مع الدولة العبرية، ويهدد بالدخول أيضا، ناهيك بالحملة الإعلامية التي تقوم بها إيران ضد إسرائيل، وكلنا نعلم كيف بادرت إسرائيل إلى ضرب مفاعل تموز العراقي في مهده.

هذا بالنسبة إلى موقف إسرائيل من إيران، أما موقف إيران من إسرائيل فهو أكثر غموضا وتعقيدا، فيه - ربما - جانب آيديولوجي. لكن الجانب الأكبر منه هو جانب عملي، إذ لا سبيل لاختراق إيران للجدار العربي والتغلغل إلى مسامات المجتمعات العربية إلا باستخدام «المسمار» الفلسطيني، والتركيز على قيادة وتفرد إيران بمقاومة ومحاربة إسرائيل، في اللحظة التي «خان العرب فيها هذه القضية». هذه الصورة البطولية الـ«روبن هودية» هي التي تسيل عسلا ولبنا في جنة إيران الدعائية، مع أن الدخول الإيراني على القضية الفلسطينية طارئ وحديث، ولا تحتل القضية ذلك العمق الشعوري لدى الفرد الإيراني كما هو الحال بالنسبة إلى الفرد العربي.

أمر إيران وإسرائيل ليس حديثنا هنا، بل هذا التوافق الذي يستوقف المرء في كراهية السعودية، ليس بين هذين الرجلين المتطرفين فحسب، بل بين دوائر قرار في إسرائيل وإيران. قد يكون الملا خرازي يمثل نفسه فقط أو ربما تياره «حزب الله» إيران، مع أن مثل هذا النبذ لدول الخليج والنبرة الاستعلائية عليها سبق أن صدر عن رجل مثل حسين شريعتمداري ضد البحرين وغيرها، وهو مستشار خامنئي الإعلامي ورئيس تحرير صحيفة «كيهان»، ورغم هذه الهستيريا الإيرانية في تسمية الخليج بالفارسي لا العربي، في حين أنه كان من المفترض على «الجمهورية الإسلامية» أن تترك هذه النعرات العصبية لأنها من «الجاهلية» كما قال نبي الإسلام!

السعودية ماضية في سياستها الخارجية القائمة على مزيج من الصلابة والحصافة، بعيدا عن الجعجعة الإيرانية والمفرقعات الكلامية والألعاب النارية، التي هي في نهاية الأمر مجرد سعي حثيث من إيران لفرض قيادتها على العالم الإسلامي، وهي تعتبر السعودية السد المنيع أمام هذه الغاية. وربما هذا هو موضع الداء في التوتر الكبير بين إيران الخمينية والسعودية، أو هذا هو الشكل الفكري السياسي لهذا الصراع، إلى جانب أشكال نفوذ اقتصادي وسياسي.

وبالعودة إلى إسرائيل نتساءل: لماذا يصرخ ليبرمان ويحاول بكل انتهازية واضحة شن حملة على السعودية في ملفي حقوق الإنسان ودعم الإرهاب؟ لأنه، وفقا لصحيفة «معاريف» أيضا، فإن ليبرمان يخطط لهذه الحملة العالمية على السعودية، بعد أن توصلت الخارجية الإسرائيلية إلى استنتاج مفاده أن السعودية هي الجهة الأساسية التي تقف وراء الحملة العالمية لنزع شرعية إسرائيل. ونقلت الصحيفة عن مسؤولين إسرائيليين قولهم في محادثات «مغلقة» خلال الأيام الماضية أن «السعودية تموّل حملة صاخبة ضد شرعية إسرائيل والاقتصاد الإسرائيلي وغير ذلك، ويجب وضع حد لهذا».

ليس هذا فحسب ما يغضب إسرائيل نتنياهو من السعودية، بل لأن سياسة السعودية تجاه السلام كانت إيجابية، وهي صاحبة مبادرة الملك عبد الله للسلام في بيروت، وهي في حالة خصام علنية مع إيران، وهي من أنشط الدول في العالم التي تحارب وتكافح «القاعدة» وعناصرها على المستوى الاستخباري والأمني. فليس لإسرائيل مدخل عليها، إلا بترديد التهم المعتادة عن السعودية في ملف حقوق الإنسان والمرأة والتعصب الديني.

هنا يجب أن نفتح قوسا مهما من أجل القول إنه صحيح، وصحيح جدا، أن إسرائيل واضحة في الانتهازية والرخص الأخلاقي في تشويه صورة السعودية في العالم في ما يخص حقوق الإنسان والمرأة. وهي حينما تتحدث عن حقوق الإنسان، فإنما تتحدث بطريقة فاجرة ومكر مكشوف. فلولا أن السعودية مثلت ضغطا دوليا حقيقيا على إسرائيل التي ترفض المضي في عملية السلام وإقامة الدولة الفلسطينية ووقف الاستيطان، لما أزمعت إسرائيل شن هذه الحملة على السعودية، إلا أن هذا يجب أن لا يوقعنا في فخ شيطنة حقوق الإنسان أو تحريم الحديث فيها أو تخوين من يتحمس لملفات المرأة وحقوق الإنسان، بدعوى أن إسرائيل تستخدم هذه الأمور ضدنا. فإن نحن فعلنا ذلك، نخدم إسرائيل أكثر!

هذا منطق أعوج، وسلوك غير ناضج، لدينا مشكلات؟ نعم لدينا مشكلات في هذه الأمور، ولولا أنه توجد لدينا مشكلات في هذه الملفات لما قامت هيئة حقوق الإنسان وجمعية حقوق الإنسان، ولما سألت الصحف يوميا بالحديث عن التطرف والتعصب الديني، هو موجود بيننا ولن يغير من حقيقة ذلك أن إسرائيل تحاول استغلال هذا لأغراضها الخاصة. لكن نقول نحن أفضل بكثير مما كنا في السعودية. والمجتمع ينمو ويحاور نفسه والدولة بقيادة الملك عبد الله ترعى الحوار الوطني حول هذه الأمور كلها من المرأة إلى التسامح والتعصب. لسنا بحاجة إلى أفيغدور ليبرمان ولا إلى غيره.

ما يستفز ليبرمان أو شاتمي السعودية في إيران، ليس مشكلاتها وأحوالها الداخلية، بل سياستها الخارجية القائمة - كما ذكرنا - على مزيج من الصلابة والحصافة، أو القوة الناعمة. وبسبب استفزازهم هذا، التفتوا إلى الداخل السعودي وفتشوا فيه عن أي شيء يساعدهم على تحطيم وتحجيم الدور السعودي الخارجي، في عالم تقلصت فيها المسافة بين الداخل والخارج.

أفضل رد تقدمه السعودية ضد هذه الحملات هو البقاء في نفس سياستها الخارجية والمضي بنفس سياستها الداخلية القائمة على الإصلاح والتغيير، وكأن ليبرمان وغيره من متعصبي إسرائيل والغرب والشرق لم يوجدوا على الأرض.

[email protected]