لهذه الأسباب.. إسرائيل ليست قادرة على مهاجمة إيران

TT

الإسرائيليون أيضا في حالة تخبط بشأن ما يقتضي فعله تجاه البرامج النووية الإيرانية. وهو ما تثبته التناقضات الحادة في تصريحات مسؤوليهم. فمرة يظهرون كأنهم أمسوا في حالة أرق دائم بسبب تلك البرامج، ومرة يقولون صراحة إن إيران لا تشكل تهديدا. ومرة يطالبون أميركا بتزويدهم بالمعدات اللازمة للهجوم، وفي أخرى يعلنون امتلاكهم القدرة الذاتية على الفعل. وليس في هذا كله نمط من أنماط المخادعة، استراتيجية كانت أو تكتيكية.

الرأي السائد عربيا يرجح وجود مؤامرة إيرانية إسرائيلية. وقد يكون هذا الرأي وليد إحباط عربي سببه غياب الفعل الإسرائيلي. فهجوم إسرائيلي على المنشآت النووية الإيرانية يعد أملا كبيرا لشريحة من العرب، أو هذه قناعتي «المطلقة» على الأقل. وقناعتي المطلقة الأخرى هي أن إيران لا تشكل تهديدا لإسرائيل ولا تستهدفها، فعداوة نظامها تستهدف الوجود العربي والحضارة الغربية. أما مساندتها المعلنة لمنظمات معينة فلا تتعدى مؤامرة غوغائية مكشوفة. مع ذلك، فالبرامج النووية الإيرانية مثيرة لقلق الإسرائيليين، لكنهم ليسوا قادرين على الفعل «المؤثر» لأسباب واعتبارات موضوعية.

عناصر النقص في القدرة الإسرائيلية كثيرة، من أهمها: انتشار المواقع النووية الإيرانية الرئيسية في مناطق متباعدة ومحصنة تحصينا مهما، وقلة المعلومات المتاحة عنها، وهو ما أثبتته عملية كشف منشأة قم التي لم يجر التوصل إليها إلا بعد مرور نحو ست سنوات. وكذلك المفاجآت المتكررة التي يعلنها مسؤولو النظام بين فترة وأخرى، وتظهر تجاهها ردود فعل غربية متشددة. وكلما تضاءلت دقة المعلومات وتقلصت شموليتها تزداد عمليتا التخطيط والتنفيذ تعقيدا، ويصبح توقع تحقيق النجاح صعبا.

وعلى الرغم من التفوق التكنولوجي الإسرائيلي، فإن قلة المعلومات وقوة التحصينات تتطلب تكرار الضربات لإيقاع أكبر تدمير مفترض، وهذا بدوره يؤدي إلى ضياع فرص تحقيق المباغتة، التي تعد شرطا أساسيا من شروط النجاح، عندما لا يكون التفوق الاستراتيجي كاسحا كما هو الحال بين أميركا وإيران.

صحيح أن غوغائية المواقف الإيرانية غالبا ما تفسر على قاعدة التهويل والخداع ومحاولة تحقيق نوع من الردع النفسي، لذا فإن رد الفعل الإيراني سيتوازن إلى حد ما مع درجة التدمير. وهذا يقود إلى توقع قيام الوحدات الصاروخية الإيرانية بمهاجمة أهداف إسرائيلية. وبحكم التحديدات الجغرافية، أو بقصد مسبق، ستكون المناطق المدنية ضمن الأهداف المضروبة، مما يؤدي إلى تعقيدات خطيرة. لا سيما أن الصواريخ الإيرانية عمياء ولا يمكن توجيهها أو السيطرة عليها، ويعتمد في إطلاقها على معلومات سطحية متداولة.

تُحسب القدرة الإسرائيلية على قاعدة بيانات قوتها الجوية فقط، أما ما يتعلق بوحدات الصواريخ فهي ليست أفضل كثيرا من وحدات الصواريخ الإيرانية. فصواريخ أريحا التي تشكل العمود الفقري لقوة الضربة الصاروخية تفتقد قدرة التوجيه عبر الأقمار الصناعية، ولم تجر عليها تجارب كثيرة بسبب محدودية مساحة إسرائيل، إن لم تكن قد جربت سرا في دولة أخرى. لذلك فإنها لا تشكل تهديدا إلا إذا جهزت برؤوس نووية، وهو خيار يبنى على افتراضات ردود الأفعال ولا يمكن استبعاده من معادلات الصراع النهائية.

مع هذه التعقيدات، فإن «الرغبة» الإسرائيلية مُرجّحة في مهاجمة المنشآت الإيرانية، وهي قادرة على ردع إيران عن المبالغة في قصف أهدافها بالتلويح بقدرتها النووية. لكن المشكلة تكمن في أن أميركا ترفض عملا إسرائيليا منفردا، لأنه قد يؤدي إلى ردود غير مسيطر عليها في مرحلة عدم استعداد أميركي شامل لمجابهة طوارئ غير عادية. إلا أن هذا التعقيد يفرض على الأميركيين التحسب لأخطر الاحتمالات، والتحضير للتصرف من أبواب مفتوحة. كما يستلزم تحسبا عربيا لحالات المباغتة، أي أن تكون لهم خطط واضحة.

لا بد من الأخذ في الحساب امتلاك إسرائيل منظومات دفاع ضد الصواريخ. وهنا لا بد من إعادة تقييم قدرة هذه المنظومات على المجابهة، لأن من غير المنطق التعويل على الوسائل المتاحة حتى الآن في التصدي «لرشقات» غير محددة من الصواريخ. ومن المستحيل تدمير كل القواعد المتحركة لإطلاق الصواريخ حتى من قبل أميركا. والخيارات في مثل هذه الحالة تبنى على أساس حرب تشمل مقرات القيادة والسيطرة والإدارة العليا للحرب، وعندئذ تكون الحرب شاملة.

ربما هناك من يرى أن الرد الإيراني على إسرائيل سيكون محدودا وضعيفا. وهو ما يمكن أخذه كأحد الاحتمالات، لكن النظام الإيراني يدرك خطورة الرد الفاتر لأنه سيؤدي إلى أوضاع تقود في النهاية إلى تقويضه داخليا.

وعندما تغيب قدرة الفعل المؤثر، تبقى احتمالات تحريك الملفات مفتوحة، بما في ذلك القيام بعملية جوية على هدف ما أكثر عرضة للتدمير، مثل منشأة بوشهر، فخطوة كهذه تحرك المشكلة ولا تحسمها.