كشف الطالع

TT

التقيته في مناسبة اجتماعية، وما إن شاهدني حتى سلم عليّ وسحبني معه إلى ركن بعيد. الواقع أنني استسلمت له طوعا نظرا إلى هندامه الحسن، ووسامته التي لا تخطئها العين، وظننت أن «بالعباءة رجّال»، وأن وراءه مصلحة مادية قد يشركني معه فيها.

ولكن ما إن اقتعدنا معا على كنبة مريحة حتى قال لي: «أرجوك أبغاك تحللني نفسيا».

قلت له متعجبا: «نعم يا خويا! ومن كذب عليك وقال إنني طبيب نفساني أو كاشف طالع أو فاتح بخت؟! هذه أمور لا يدركها إلا الخالق».

قال: «أنت زعلت؟! والله ما قصدي، بس سمعت أنك تكتب فاعتقدت أن كل من يكتب يستطيع أن يحلل النفسيات».

عندها فقط خطر في بالي أن «أسرح» بذلك الغرّ، فقلت له: «طيب على شانك سوف أحاول»، وسألته: «هل أنت تعمل؟!».

قال: «نعم، ولكنني غير مرتاح في عملي، فرئيسي دائما يوبخني ويتهمني بالفشل».

رددت عليه: «ومن قال لك إن الفشل عيب؟! فالفاشل في مجاله الحيوي لا يقل شأنا عن الناجح إن لم يبزّه، فالناجح غالبا إنما هو يعمل كالكلب في النهار، ولا يستطيع النوم جيدا في الليل من كثرة تفكيره في منجزاته، إنني أنصحك أن لا تتعب حالك، وتَذكّر أن الكسل هو سيد المواقف النبيلة. اهرب من مواجهة المسؤولية بقدر ما تستطيع، وإذا أُرغمت على عمل ما فحاول، وإذا شقّ عليك فأنجز نصفه فقط وأنت مرتاح الضمير، ألا تعلم أن في العجلة الندامة؟!».

قال لي: «بلى، قرأت وسمعت عن ذلك».

قلت له: «إذن لا تكن عجولا وأجّل عمل اليوم، ليس إلى الغد، ولكن إلى ما بعد الغد، فللتأخير والتسويف والإرجاء ثمرات لا تُحصى، منها مثلا: أن ذلك قد يؤدي إلى معلومات جديدة قبل إنجاز القرار، وباختصار: دع الأمور والمشكلات تحل نفسها بنفسها».

ويبدو أنني ضربت له على الوتر الحساس الذي يحبه فارتاح لي، فما كان منه إلا يبسط كفه أمامي قائلا: «عشان خاطري (افتح لي)»، ولما شاهدني مرتبكا ومبلما سألني: «ليه؟ أنت ما تعرف تفتح؟!».

قلت له: «طبعا أعرف أفتح ولكن ليس بقراءة الكف، ولكن دعنا من هذا الآن فالمدعوون قد بدأوا يذهبون إلى العشاء»، وتركته جالسا يفكر في كلامي.

وعلى ذكر قراءة الكف، فعندما كنت في لوس أنجليس، ركبت المصعد للذهاب إلى شقتي، وإذا هناك امرأة ترافقني فيه، كانت هي أقرب إلى أزرار الصعود، لهذا سألتني: «إلى أي طابق أنت صاعد؟»، قلت لها: «إلى الرابع»، وضغطت عليه، وتوقف المصعد بها عند الدور الثاني، وقبل أن تنزل ابتسمت لي ثم قدمَت لي «كرتها» وفيه جميع أرقامها والمعلومات عنها، وداخلني الكثير من الغرور لأنني تأكدت أن تلك المرأة قد طاحت قاعتها وأعجبت بي لهذا هي «رقّمتني».

وقبل أن أدخل الشقة لمت نفسي قائلا: «أفا عليك يا أبو المشاعل! أين الكرم العربي الذي تتشدق به؟! ألم يكن من اللائق بك أن تعزم تلك المرأة وتضيفها على الأقل بفنجان قهوة كما هي العادة المتبعة عند أهل طوال الشوارب؟!».

ولكنني ما إن دخلت وتمعنت في الكرت، حتى ضربت على رأسي، لأنه اتضح لي أن تلك المرأة شغلتها «قراءة الكف»، وأرادت أن تجعلني من زبائنها لا أكثر ولا أقل.

[email protected]