المجاعة التالية

TT

بعض أفريقيا صحراء وجفاف. وبعضها خضرة وأمطار وأنهار وبحيرات. والقاسم المشترك بين الجفاف والخضرة، هو المجاعة، وسوء التغذية وموت الملايين خلال العقود الخمسة الماضية دون رغيف. أما القاسم المشترك الآخر، فهو أن أحدا من الحكام لم يتغير إلا بختام العمر، باستثناء واحد أو أكثر - مثل تشارلز تايلور - قبض عليه القانون الدولي، بعدما قطع عشرات آلاف الأذرع والأطراف، وبعدما ترك خلفه، مثل فؤادي سنكوح، شعبا لا أطراف له.

تقضي الشعوب في أفريقيا بالملايين. خمسة ملايين في الكونغو وحدها. ويستمر الحكام بلا تغيير حتى اقتضاء الأمر المفعول. ويتلقى عدد من الدول مساعدات خارجية كثيرة (26 مليارا لإثيوبيا منذ 1991) لكن أكثرها يذوب في السرقة والفساد ولا يصل إلى أفواه الجياع، ولا أحد يعرف كيف لا تزال «دولة» مثل الصومال في الوجود، أو مثل الكونغو. أو كيف استطاعت ليبيريا ورواندا البقاء بعد سلسلة من المجازر الجماعية التي يصعب تخيلها.

بعد الاستقلال منذ نصف قرن، خضعت أفريقيا لنوعين من الأنظمة: واحد يقلد السوفيات ويتكل عليهم ويرفع شعاراتهم، وواحد يعتمد على الأميركيين ويصرف أموالهم في مونتي كارلو، وثالث أبقى علاقاته مع فرنسا بكل ما عليها من تحفظات. وفي ما عدا الاستثناءات النادرة، كانت النتيجة واحدة في الحالات الثلاث. لكن طبعا لا يمكن تجاهل تجارب لها ملامح القانون، مثل السنغال، حيث تبدو القبيلة أقل ظهورا وأكثر ضبطا. في حين تتعرض دولة من 90 مكونا قبليا، مثل إثيوبيا، للخطر. أو تفكك دولة مثل كينيا بسبب الطغيان القبلي يرافقه فساد الدولة وغياب القانون. ويبدو السودان بعد محنة دارفور وفظاعتها، مهددا في مواقع أخرى. نصف قرن من الاستقلال وحكام أفريقيا لم يصنعوا «مواطنا» واحدا. ولم يقيموا له دولة تستحق أن يكون مواطنا لها. ظالمون جعلوا قارة لا احتمال فيها لشيء، إلا المجاعة التالية.