أن نعيش وكذلك غيرنا!

TT

في هذه اللحظة قفزت ذبابة أو صرصور إلى الورق الذي أمامك فأمسكت بأي شيء لتقتل الذبابة والصرصور.. اجلس وقل لي: ما هذا الذي عملت.. تركت القراءة لتقتل صرصورا؟ لماذا؟ لأنك تكره الصرصور. ولماذا تكرهه؟ الجواب: أنك اعتدت على أن تكرهه وترى أنه اعتدى علي حريتك وقرر أن يعيش مع أنك قررت أنه يجب أن يموت، ولماذا يجب أن يموت؟ ما الذي ارتكبه؟ أنه أراد أن يعيش؟ وماذا يضايقك في أن يعيش؟ وما الضرر الذي لحقك أو سوف يلحق بك لأن صرصورا أو ذبابة قد عاشت؟ هل حياة الذبابة جعلت حياتك صعبة؟ هل سدت عليك منافذ الهواء والماء والنور والحياة؟ إنها لم تفعل! إذن لماذا هذا الانفعال من أجل أن تقتل كائنا لم يسئ إليك وإنما كائن فضولي اقتحم مياهك الإقليمية وتجاوز حدود الحياة.. وسرق لحظة من حياة كان يجب أن تنتهي قبل أن تبدأ.

شيء غريب قد حدث لي، فأنا أدفع الذباب ولا أقتله.. وأرى الصرصور فأفسح له الطريق.. وأضيف وجود الصرصور إلى إهمال العاملين على نظافة البيت.. ولكن أنا لا أقتل كائنا أيا كان. فمن حقه أن يعيش.. وحياته ليست خصما من حياتي.. ولكن لماذا؟

الحقيقة لم أعرف.. وكل ما تذكرته أن في الهند طبقة اسمها «الهاريغان» أي طبقة المنبوذين. وقد ضاق الزعيم غاندي بهذا التعبير وأطلق عليهم اسم «الهاريغان» ومعناها أولاد الله.. المساكين الذين حياتهم عشوائية.. هامشية، وليس من اختيارهم، ولا من حقنا أن ننبذهم بل أن نعيش وأن نتركهم يعيشون. وكان هذا شعار هؤلاء المنبوذين: أن يعيشوا ويتركوا غيرهم من الكائنات يعيش. فماذا لو زاد عدد الذباب مليونا والصراصير مليونين.. إنهم يذهبون إلى أبعد من ذلك.. إنهم يضعون السكّر في الأركان ليأكله النمل. فمن حق النمل أن يعيش معنا وبأيدينا - وهذه مرحلة لم أبلغها بعد!