«إغلاق العقل الغربي

TT

يقول تشارلز فريمان في كتابه «إغلاق العقل الغربي»، إن سبب تدهور الغرب كان الخروج من علم المنطق الذي تركه اليونانيون إلى التعصب الديني الذي أدى إلى نشر الحروب الدينية والمذهبية والقومية. وبالمقابل، يقول فريمان، هذا الانغلاق على الفكر اليوناني لم يمتد إلى العرب، حيث استمرت النصوص اليونانية المترجمة كقاعدة لما حققوه في علم الفلك والطب والعلوم الأخرى..

على الرغم من اتساع الفتوحات العربية على امتداد مناطق الروم، يقول فريمان، عرف العرب كيف يظهرون التسامح والتقبل حيال علوم اليونان. وينقل عن أبو الحسن ثابت ما كتبه عن إنجازات «الوثنيين»، أي اليونانيين: «وإننا ورثة هؤلاء وناقلو تراثهم الذي يوقره الجميع في هذا العالم، فمن جعل العالم قابلا للسكن غير ملوك بلاد الوثنيين ورجالها الصالحين؟ من أغرق العالم بالمدن وبنى المواني وحفظ الأنهار؟ من أظهر العلوم الباطنية وأنشأ الطبابة للأجسام. وإنما هم أيضا من ملأ العالم بالاستقامة وسبل الحياة وبالحكمة التي هي رأس التميز. من دون هذه الأعمال سوف يكون العالم مكانا فارغا وفقيرا ومغلقا بالحاجة والبؤس».

لم يجد العرب - يقول فريمان - تناقضا بين العلوم التي نقلها مترجمون ماهرون، عن اليونانية، ومناهج حياتهم. وكرست مجموعات كبرى الكثير من الوقت لترجمة أعمال أرسطو وأفلاطون وأبيقراط وغالينوس وإقليدس وبطليموس وسواهم. وقام ابن رشد بترجمة كتاب طبي كامل ثم أضاف إليه أبحاثه ونظرياته وملاحظاته. وقال الرازي الذي درس في بغداد قبل أن يعود إلى فارس إن «المنطق يجب أن يكون السلطة الأخيرة، التي تحكم ولا تُحكم». وناقش أفكار غالينوس، وكان أول من ميز بين الجدري والحصبة. كذلك ناقض ابن النفيس نظريات غالينوس في سير الدورة الدموية، ولا يزال العلم يعتمد نظرياته إلى اليوم. في المقابل كانت أوروبا المسيحية لا تزال تنظر إلى استنتاجات غالينوس على أنها نصوص مقدسة: باختصار حافظ العرب على التقليد اليوناني باحترام منجزاته العلمية الماضية ولكن من دون الانبهار به والانغلاق عليه، وإنما بتطويره والبناء على ما تقدم. كل ذلك كان ممكنا من دون التعرض للإسلام نفسه.

كانت المسيحية خائفة على نفسها من عداء «الهراطقة واليهود والوثنيين»، يقول فريمان، فيما رأى المسلمون أن الحصانة هي في الإسلام نفسه. لذلك «انغلق العقل الغربي لقرون طويلة قبل أن يعود إلى المنطق من جديد».