المتعة فن والخدمة متعة

TT

كثيرا ما أحزن، بل وأرثي لمعظم المغتربين الذين يعانون من الوحدة والضياع وأحيانا المرض والاكتئاب. فالكثير منهم يعيشون على المساعدة وليس لهم أي عمل يشغلهم. لا يعرفون ماذا يفعلون بكل هذا الوقت الضائع والفارغ من حياتهم. والعجيب في شأنهم أنهم يعيشون في هذه العواصم الغربية التي تعج بالفعاليات، موسيقى ورقص ومسارح ومعارض ومتاحف، وأكثرها مفتوحة مجانا. لماذا لا يذهبون ويستمتعون بها؟ الجواب هو أن المتعة في مجتمع متحضر تتطلب قدرا من الثقافة، فالمتاحف لا تعني شيئا بالنسبة إلى من لا يعرف التاريخ، والموسيقى والغناء والرقص تتطلب بعض الإلمام بهذه الفنون، وكذا بالنسبة إلى المعارض والأعمال التشكيلية. هذا من نقائص التعليم في مدارسنا. لا يوسعون مفاهيم الطفل ليستطيع الاستمتاع بجمال الحياة وروعة الفنون. يضطر أحيانا إلى ملء الفراغ في حياته بالشغب والإرهاب والإدمان. أجد أغلب المواطنين العرب لا يستمتعون بشيء غير الأكل والجنس، وكلاهما لا يستنزف من وقتهم غير دقائق قليلة. فكيف يقضون الساعات الطويلة المتبقية؟ نعم، بالهذرفة والشغب والعراك مع أهلهم وصحبهم وحكوماتهم. أُضيف التلفزيون إليها مؤخرا.

الخدمة باب آخر من أبواب الاستمتاع بالحياة التي لم يعلّمونا عليها، رغم كل ما يوصينا به ديننا من أعمال الخير. ولكن الكثير من الغربيين يجدون متعتهم، وسلواهم إذا عانوا من شيء، في القيام بخدمة الآخرين، المشردين والمقعدين والمحتاجين... إلخ. تجدهم أحيانا يتركون أعمالهم وعوائلهم ويذهبون إلى أقاصي أفريقيا لمساعدة الجياع والمرضى. إنه شيء يعطيهم سعادة داخلية وشعورا بالرضا والحيوية. تفقد امرأة زوجها فتجد سعادتها في حب الآخرين وخدمة الملايين. لا تجلس وتقضي بقية حياتها في البكاء والنحيب، وإنما في العمل والمعاونة.

بيد أن عددا من المغتربين (ذكورا وإناثا) تغذوا بهذه الروح الإنسانية وكرسوا أوقاتهم لمساعدة شعوبهم. حضرت قبل أشهر حفلة خيرية قامت بها جمعية نسائية تونسية لمساعدة الأطفال المقعدين في تونس. وفي السبت القادم 22 مايو (أيار) ستقيم جمعية «الأمل» العراقية حفلة موسيقية مشابهة في قاعة الملكة إليزابيث بلندن، يشارك فيها العواد أحمد مختار مع هذه المجموعة الطريفة من الموسيقيين العرب والإفرنج «مجموعة بغداد»، وفرقة المقام العراقي التي يقودها محمد قمر على آلة الجوزة. ستكون حفلة فريدة حافلة بالتجارب الموسيقية والأغاني التراثية.

تضم جمعية «الأمل» عددا من السيدات اللواتي يجدن سعادتهن ويستمتعن بحياتهن في السعي لتحسين حياة الآخرين، الأطفال المقعدين والأيتام المشردين، والنساء المستضعفات في العراق والغربة من ضحايا كل هذه الحروب التي دكت المجتمع العراقي. سأكون واحدا ممن سيلتمس سعادته ومتعته في الحياة، ليس فقط في الاستماع إلى موسيقى المقام والعود، بل وفي المساهمة في مساعدة من هم أقل حظا مني، كل هؤلاء الضحايا الذين ملأ بهم صدام حسين هذا البلد المنكوب.