التعصب الإيراني وصب الزيت على النار في الخليج

TT

من محددات العلوم السياسية البحث عن المتغيرات الجيوسياسية والمقومات الاستراتيجية في المنطقة محل البحث والدراسة. فالوضع الجيوسياسي في منطقة الخليج يمر بمراحل متلاحقة من المتغيرات ولم يعد ثابتا، كما كان معروفا عنه منذ اندلاع حرب الخليج الأولى. فلم تكد هذه الحرب المدمرة حتى فوجئنا بأزمة احتلال عراق صدام حسين للكويت، لتندلع حرب الخليج الثانية التي أجهضت خطط المستقبل الواعدة لدول المنطقة، وتركت آثارها السلبية على اقتصادياتها التي عانت كثيرا من تداعياتها السوداء، وليكون ذلك أحد أهم التحديات الاقتصادية للمنطقة.. وقد نمر سريعا بهذه السلبيات، لنصل إلى هدفنا وهو التحديات الأمنية التي تتعرض لها منطقة الخليج في الوقت الراهن، هذه التحديات التي كانت ماثلة أمام قادة مجلس التعاون الخليجي في قمتهم التشاورية التي عقدت بالعاصمة السعودية الرياض مؤخرا.

هذه التحديات ليست قاصرة على حدث بعينه، وإنما جملة من المتغيرات، ويختلط فيها السياسي بالأمني، مثل الأوضاع المتوترة في العراق وتفاقم مشكلة تشكيل الحكومة الجديدة هناك، وعملية السلام شبه المجمدة بين الفلسطينيين والإسرائيليين بما ينعكس سلبا على استقرار المنطقة، ثم حرب الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن بتأثيراتها على السعودية رغم نجاح الجيش السعودي في تطهير أراضيه من أي تسلل حوثي أثناء هذه الحرب المشؤومة.. ثم نأتي إلى التحدي الأهم وهو أمن منطقة الخليج التي أصبحت من أكثر مناطق العالم التهابا.

وتشكل تصرفات إيران، وعلى رأسها برنامجها النووي، عبئا على المنطقة ليزيد من أزماتها المتلاحقة، ثم محاولة إيران فرض هيمنتها على دول المنطقة من الجوار المباشر لتتجاوزها وتصل إلى الجوار غير المباشر. هذا المد الذي تعتبره إيران من ضمن مقوماتها الاستراتيجية، يعتمد في المنطقة الخليجية على القوة العسكرية وخلايا التجسس وتحريض شيعة المنطقة على حكوماتهم واحتلال أراضي الغير والبرنامج النووي.

وترتبط محاولات الهيمنة الإيرانية، بأحداث متلاحقة شهدتها المنطقة، في ضوء السياسة الإيرانية حيال المنطقة الخليجية، خاصة أن إيران بقيادتها السياسية والدينية ترفض منح منطقتنا الهدوء السياسي والاقتصادي لاستكمال مشروعاتها العملاقة. فكل الممارسات والتصرفات الإيرانية هي دليل واضح على ذلك. وأمامنا شبكة التجسس التي كشفتها الكويت مؤخرا، فمثل هذه الشبكات التجسسية مؤشر لسوء النوايا التي تضمرها القيادة الإيرانية لمنطقتنا.

والمؤسف أن هذه الشبكة التي استغلت علاقات حسن الجوار الخليجي، تعتبر بلدان الخليج منطقة استهداف لها في حال تعرضها لأي ضربة أميركية - إسرائيلية للقضاء على برنامجها النووي. وعليه، فإن إيران تعد الأرضية لإشعالها في حال تحققت هذه الضربة المحتملة، ولتنفذ تهديدها بإحراق الخليج وإغلاق مضيق هرمز في وجه الملاحة النفطية.

ومن الخلية الإيرانية في الكويت إلى الملف النووي الإيراني، وهو الملف الذي بات يؤرق كل المنطقة.. فلم تألُ إسرائيل وإيران جهدا في التلاسن بصورة شبه يومية لتدمير بعضهما بعضا. وآخر التصريحات الإسرائيلية في هذا المجال، جاءت على لسان موشيه يعالون نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي وعضو المجلس الوزاري المصغر. فقد أعلن أن تل أبيب في وضع يمكنها من شن حرب على إيران، وأن سلاح الجو الإسرائيلي اكتسب التقنية اللازمة والتدريبات الكافية لتوجيه أي ضربات لمواقع إيرانية في المستقبل. وعندما يأتي الكلام على لسان مسؤول إسرائيلي نافذ في حجم يعالون، فعلينا أن نأخذه مأخذ الجد. فهو شخص عسكري وتولى رئاسة أركان الجيش الإسرائيلي في سابقة أولى ونادرة من نوعها في التاريخ العسكري للدولة العبرية، إذ كان قائدا لسلاح الجو وليس من قادة الجيش في المشاة أو المدفعية أو سلاح المدرعات. ولم ينس موشيه يعالون أن يشير إلى أهداف الجيش الإسرائيلي المحتملة ضد سورية ولبنان والأراضي الفلسطينية. وعندما يعلن قائد الجيش الإسرائيلي السابق نية الدولة العبرية في ضرب إيران، فهو يتذرع بإعلان طهران المتكرر بدعم حزب الله وحركة حماس. فتل أبيب بذلك توفر الذريعة المثلى لشن هجمات صاروخية على المواقع الإيرانية المستهدفة.. واللافت، أن إسرائيل التي تقول في الغالب إنها تنتظر الحلول الدبلوماسية الدولية لحل الملف النووي الإيراني، هي التي سارعت أيضا وعلى لسان يعالون بكشف معلومة عسكرية قلما تخرج من مسؤول عسكري أو سياسي في هذه الدولة، فقد كشف عن تحسن قدرات سلاح الجو خاصة التزود بالوقود جوا مع إحداث طفرة هائلة في دقة المعدات والمعلومات، وأن كل هذه التحسينات ستتيح للطيران الحربي الإسرائيلي إمكانية ضرب إيران من دون الاعتماد على استغلال مطارات دول صديقة.

وإذا كانت الولايات المتحدة وأوروبا والمجتمع الدولي تضع في اعتبارها التحدي الإيراني المتمثل في البرنامج النووي غير المحدد المعالم والنوايا، فإن هذه الأزمة لم تعد مجرد تحد يزول قريبا. فالأزمة أصبحت عبئا متواصلا، يتعين التعاطي معه خليجيا بعيدا عن التشنج والتوتر مثل بقية الأطراف التي ذكرناها، بما يهدف إلى ضمان خلو منطقة الخليج خصوصا والشرق الأوسط عموما، من جميع أسلحة الدمار الشامل، بما في ذلك الأسلحة النووية الإسرائيلية. مع الأخذ في الاعتبار أنه من حق دول مجلس التعاون الخليجي امتلاك الطاقة النووية للأغراض السلمية. وهو القرار الاستراتيجي للقمة الخليجية السابعة والعشرين، وليكون هذا البرنامج النووي الخليجي للاستثمار السلمي في الطاقة متوافقا مع معايير الأمان الدولية ووكالة الطاقة الذرية.

وقد أحسنت القمة الخليجية التشاورية في الرياض صنعا، عندما شددت على التزامها بمبادئ مجلس التعاون المتمثلة في احترام الشرعية الدولية وحل النزاعات بالطرق السلمية وضرورة التوصل إلى حل سلمي لأزمة الملف النووي، لتجنيب المنطقة ويلات حرب مدمرة وتلافي مواجهة عسكرية محتملة ونزع فتيل التوتر.

ويبدو أن الحديث عن الاستعداء الإيراني لمنطقتنا سيجرنا إلى نقطة أخرى وهي تتعلق بعلاقة مثيرة للاستغراب، هذه العلاقة من بناة أفكار الرئيس الإيراني أحمدي نجاد، حينما ربط بين أهداف الثورة الإسلامية عام 1979 التي أطاحت بالشاه، وبكلمة «الخليج الفارسي»!. فهو ذكر في كلمته بمناسبة «اليوم الوطني للخليج الفارسي»: «أن استخدام بلاده تسمية الخليج الفارسي هو إزالة غبار وتذكير وترسيم صحيح للواقع العالمي المعاصر.. على غرار مبدأ الثورة الإسلامية التي شكلت إزالة الغبار عن حقيقة الشعب الإيراني وهويته وتاريخه وطاقاته الهائلة». وحتى إذا استوعبنا قسرا قناعات نجاد للربط بين حدثين غريبين عن بعضها البعض ولا يمتان بصلة للتشابه، فمن الصعب استساغة استخدامه مفردات لغوية غريبة تنم عما يجيش في النفوس. فبعد أن أسهب الرئيس الإيراني في مخاطبة مستقبليه في المناسبة المذكورة، وذكر جملا وكلمات كثيرة لم تمت للحدث بصلة، وأصر على القول: «إن الأعداء يريدون تحريف هذا الموضوع للإيحاء بأن الخليج الفارسي كان على بدء التاريخ منطقة غير آمنة ويحتاج الآن إلى المتآمرين لإرساء الديمقراطية».

فمثل كلمتي «أعداء» و«متآمرين» وقعتا في مكان غير آمن على المسمع العربي الخليجي، فلا عرب الخليج أعداء لإيران ولا هم متآمرون. ولكن الرئيس الإيراني نسي التذكير بأنهم متعصبون لتسميتهم خليجهم باسمهم، وأن إطلاق تسمية «الفارسي» على الخليج العربي لهو تعصب إيراني في غير محله وهويته ويصب الزيت على النار في المنطقة الملتهبة، خصوصا عندما تمادى نجاد في اتهام العرب وأصدقائه في هذه المنطقة صراحة بالأعداء والمتآمرين.

ختاما.. أشير إلى كلمات الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البحرين على هامش قمة الرياض التشاورية بين قادة دول مجلس التعاون، حينما ركز على ضرورة تبني سياسة موحدة وفاعلة للحفاظ على سيادة واستقرار مجلس التعاون ومكتسبات مواطنيه ومواجهة استحقاقات المتغيرات الاستراتيجية في المنطقة.

إن قمة الرياض التشاورية، ورغم انشغال قادة دول مجلس التعاون الخليجي بالتعاطي مع ما تواجهه المنطقة من مخاطر، أكدت أن قادتنا يدركون حجم التوقعات المأمولة من قبل شعوبهم، وهم أيضا يعملون من أجل أن تتحقق تلك الطموحات التي تعكس تطلعاتنا وآمالنا، حيث نتفق جميعا على أن قادتنا نجحوا في مواجهة الأزمات التي تعرضت لها المنطقة، وأنهم قادرون، بإذن الله، على تحقيق طفرات اقتصادية لتعزيز آفاق المستقبل المنشود.. خاصة أن رفاهية المواطن الخليجي تحتل مكان الصدارة وعلى رأس التحديات الاقتصادية، بغض النظر عما ذكرناه من تحديات سياسية وأمنية وإقليمية.

* كاتب ومحلل

سياسي بحريني