هذه الحملة غير البريئة على الأنظمة العربية

TT

الحملة الإعلامية المتمادية على الأنظمة الحاكمة في الدول العربية والإسلامية تستحق التوقف عندها وكشف أسباب وأهداف القائمين بها.

أولا: لأن المشاركين فيها لا ينحصرون في من هم معتبرون أعداء أو خصوما تقليديين أو تاريخيين للعرب والمسلمين، بل يتعدون إلى حركات وتنظيمات عربية وإسلامية، تمتد من أقصى اليمين السلفي أو المحافظ إلى أقصى اليسار. كذلك إلى دول إسلامية يحمل نظامها في عقيدته «ثأرا تاريخيا» على المذهب الإسلامي السائد في الدول العربية، ولا ننسى الإعلام الغربي ولا إسرائيل. ومن اللافت والمدهش أن يتلاقى أعداء وخصوم بعضهم ببعض على الهجوم والتهجم على الأنظمة العربية الحاكمة!

ثانيا: لأن الغاية من هذه الحملة هي تغيير أو قلب هذه الأنظمة عن طريق تحريض شعوبها عليها، حينا تحت شعار «تقصيرها في مقاومة إسرائيل» أو «تحالفها مع الولايات المتحدة والدول الغربية»، وحينا آخر تحت شعار «غياب الديمقراطية» في البلاد التي تحكمها.

ثالثا: لأن هذه الحملة المتمادية تشوه عن قصد الواقع العربي الراهن وتصوره على غير حقيقته، خدمة لأغراضها، بينما الحقيقة هي أن العالم العربي في ظل معظم الأنظمة التي تحكمه لم يحقق استقرارا ملموسا في نصف القرن الأخير فحسب، بل حقق تقدما اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا هائلا. ويكفي نظرة سريعة إلى ما كانت عليه مدينة الرياض مثلا، منذ خمسين سنة، ومنطقة الخليج العربي، والعواصم والمدن العربية، المشرقية والمغربية، والمقارنة مع ما هي عليه اليوم، للتأكد من أن الشعوب والمجتمعات العربية، في ظل الأنظمة التي تحكمها، ورغم كل الظروف غير المواتية، ورغم قيام إسرائيل، قد حققت قفزة تاريخية كبيرة، وأن العالم العربي عام 2010 هو غير العالم العربي عام 1950.

رابعا: ومن غرائب هذه الحملة وعجائبها أن بعض القائمين أو الموعزين بها (وخصوصا في قنوات تلفزيونية معينة، ولا داعي للتسمية)، هم إما «قوميون يساريون» سابقون تحولوا إلى أصوليين ثوريين يروجون لأفكار بن لادن أو يبحثون عن أي خبر سيئ أو ظاهرة سلبية في هذا النظام العربي أو ذاك، ليبثوه عبر فضائياتهم، وإما ديمقراطيون مستعجلون في تقليد الدول الغربية الديمقراطية، أو بالأحرى في الوصول إلى الحكم عن طريق انتخابات تتحكم فيها العاطفة الجياشة والعصبيات على اختلاف أنواعها، لا البرامج الاقتصادية والاجتماعية.

إننا لا ندعي أن أنظمة الحكم في معظم الدول العربية والإسلامية هي أنظمة مثالية، في ديمقراطيتها واحترامها لحقوق الإنسان وحرياته. ولا شك في أن أخطاء كبيرة ارتكبت، خلال نصف القرن الماضي. كما نفهم الذين يطلقون صيحات الغضب أو اليأس أمام ما حل ويحل بالشعب الفلسطيني، في وجه الدول الغربية التي دعمت ولا تزال تدعم إسرائيل في عدوانها. ونقر بأن ثمة تقصيرا فادحا من قبل الأنظمة الحاكمة في مواجهتها لبعض التحديات المصيرية. ولكن هل الرد أو الحل الأفضل هو تحريض شعوبها عليها؟ هل هو في إشعال فتن وثورات مسلحة في كل بلد عربي أو مسلم؟ هل هو في إعلان الحرب على الولايات المتحدة والدول الغربية؟ هل هو في نبش ذكريات حروب وصراعات وفتن وقعت منذ قرون، من شأنها إضعاف الوحدات الوطنية وتفتيتها طائفيا ومذهبيا، والتمهيد لحروب أهلية؟

إن النقد والمعارضة والنضال في سبيل الأمة وحقوق الشعب ومن أجل تحسين الأوضاع السياسية والاجتماعية، أمور طبيعية، بل ومتوجبة. ولا خلاف على أن المجتمعات العربية والإسلامية بحاجة إلى مزيد من الحريات والإصلاحات، ولكن استعجال الأمور يؤدي، أحيانا، إلى عكس ما يسعى إليه المستعجلون. كما أن تحريض الشعوب على حكامها قد يؤدي إلى الفتنة وتمزيق النسيج الوطني للشعوب، وإلى حروب أهلية. وقد لمسنا لمس اليد ما حل بالعراق عندما أرادت الولايات المتحدة فرض الديمقراطية عليه (كما تدعي).

نعم، كلنا يريد من الأنظمة العربية والإسلامية الحاكمة أن تبذل أكثر مما تبذل، وأن تصلح وتبني وتتقدم وتتقارب وتوحد جهودها في نصرة القضية الفلسطينية. ولكن ما لا نريده هو أن نهدم واقعنا بأيدينا، وألا تتحول الدول العربية والإسلامية إلى صومال جديد، وألا نزيد من انقساماتنا ومن استعداء بعضنا على البعض الآخر، وألا ننقاد إلى حرب نووية أو عالمية ثالثة.