لعبة الدجاج الدبلوماسية مع إيران

TT

دعونا نكون أسخياء ونطلق على المبادرات الدبلوماسية المحمومة التي حدثت الأسبوع الحالي بشأن برنامج إيران النووي «تفاوضا» على طريقة طهران.

ها هي لوحة النتائج: أولا، وافق الإيرانيون في شهر أكتوبر (تشرين الأول) على صفقة لتخصيب اليورانيوم خارج حدود بلادهم، وبعد ذلك رفضوا، ثم وافقوا، يوم الاثنين الماضي، على نسخة من الاتفاق الذي توسطت فيه تركيا والبرازيل.

كانت إيران بكل تأكيد تأمل أنها بقبول هذا الاتفاق ستقطع الطريق على قرار العقوبات الذي كانت تجري صياغته حينها في مجلس الأمن الدولي. وكان الوسطاء المحتملون يأملون تلميع أدوارهم كقادة لحركة عدم انحياز جديدة.لكن يبدو أن صانعي الاتفاقات في اللحظات الأخيرة أخطأوا في الحسابات: ففي الثلاثاء الماضي، صادق الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن في الأمم المتحدة، بما فيهم روسيا والصين، على مسودة قرار يدين برنامج إيران النووي، متجاهلين مكائد طهران في اليوم السابق.ولن يوقف هذا القرار الدولي الجديد البرنامج النووي الإيراني شأنه شأن القرارات الثلاثة السابقة. وتناقش مسودة هذا القرار فرض عقوبات في مجال الطاقة وفرض حظر على الأسلحة، لكنها لا تحدد آليات للتنفيذ. وستصعد الولايات المتحدة وحلفاؤها من عقوبات الأمم المتحدة ببعض الإجراءات الأكثر قسوة، لكن هذه الإجراءات لن تكون كافية كذلك لوقف طهران.

ما هو مهم بشأن الموقف الموحد للأمم المتحدة هو أنه سيجبر إيران على العودة إلى طاولة المفاوضات إذا ما أرادت تجنب العزلة الدبلوماسية المتنامية من جانب القوى العظمى في العالم. نعم، تستطيع طهران الادعاء بأنها تتلقى الدعم من اثنتين من الدول الصاعدة، تركيا والبرازيل، التي سوف تعلن أنهما حلفاء ضد الشياطين الكبار في مجلس الأمن. لكن واقعيا، يعرف الإيرانيون أنهم بخسارة روسيا والصين فيما يتعلق بالعقوبات يقفون على أرض غير مستقرة.

تعتقد إدارة أوباما أن الاتحاد بين الدول الخمس الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي أكثر أهمية من تفاصيل قرار فرض العقوبات، وأظهرت الأحداث التي وقعت الأسبوع الحالي أن هذه الاستراتيجية كانت صائبة. جاءت مسودة القرار كنتيجة لجلسات النقاش الثماني التي عقدها الرئيس أوباما بشأن إيران مع الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف على مدار العام الماضي، ونتيجة كذلك للشراكة الناشئة بين الإدارة والقوة العالمية الصاعدة الحقيقية، الصين.

ما هي الخطوة التالية في لعبة الدجاج الدبلوماسية تلك؟ الإجابة، كما يقول أحد كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية، هي أنه يجب على إيران معالجة قضيتين أساسيتين تمثلان جزءا من صفقة التخصيب التي تم طرحها في جنيف في أكتوبر الماضي. طالبت هذه الاتفاقية إيران بتقديم 2640 رطلا من اليورانيوم منخفض التخصيب لتتلقى في المقابل من الخارج 260 رطلا من اليورانيوم المخصب بنسبة 20 في المائة، لاستخدامه في مفاعل البحث في طهران لإنتاج النظائر الطبية. والجديد في النسخة التركية - البرازيلية التي أعلنت يوم الاثنين هو أن الوقود الإيراني سيجري شحنه إلى تركيا بدلا من روسيا.

ولتنفيذ هذه الاتفاقية، كما قال المسؤول الأميركي البارز، يجب على إيران الاجتماع مع الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن، إضافة إلى ألمانيا لإجراء مناقشات مفصلة، على النحو المحدد في اقتراح جنيف الأصلي. وثانيا، يجب على طهران الموافقة على التخلي عن اليورانيوم الذي تمتلكه مقابل اليورانيوم المخصب بنسبة 20 في المائة. وأدى تأكيد إيران أن لديها حقا أحادي الجانب في مواصلة تخصيب اليورانيوم إلى مستوى 20 في المائة، بغض النظر عن مبادلة الوقود، إلى تعزيز تأييد روسيا والصين للعقوبات، حسب قول ذلك المسؤول البارز.

إن المشكلة في عملية التفاوض التي طال أمدها هي أن الوقت يمر، وإيران تتجه صوب امتلاك قدرة تصنيع الأسلحة النووية في الوقت الذي تماطل فيه على الجبهة الدبلوماسية. وفي الوقت الذي تلعب فيه إيران هذه اللعبة، لا تعد «الموافقة» أو «الرفض» الحل النهائي؛ فالمفاوضون يبتعدون عن طاولة المفاوضات فقط ليعودوا من جديد، يتم طرح حلول وسط لحفظ ماء الوجه، ويتم رفضها، ثم إعادة طرحها من جديد. من المحتمل أن هذا التفاوض الضعيف سينتهي عندما تعلن إيران، على نحو مفاجئ، أن لديها جميع العناصر لصناعة الأسلحة النووية، وأنها أصبحت الآن دولة نووية بحكم الواقع.

إن فرص تجنب هذه النتيجة السيئة أفضل بصورة جزئية مما كانت عليه قبل أسبوع، لسبب واحد: عندما تأزمت الأمور، رفضت روسيا والصين أن تكون من العوامل المساعدة لطهران. وبالمصادقة على عقوبات الأمم المتحدة، وقفت هاتان الدولتان إلى جانب الدول التي تسعى إلى منع إيران من امتلاك الأسلحة النووية.

وبعدما زرت إيران عام 2006، كتبت أن الفرد يستطيع أن يفهم أسلوب التفاوض الإيراني، بأن يقود السيارة في طهران: فعند كل تقاطع، يدفع السائقون تجاه تحقيق الاستفادة القصوى، حيث يفرملون فقط عند اللحظة الأخيرة لتجنب التصادم. لا تزال هناك مخاطرة كبيرة للتصادم هنا، لكن من المشجع بصورة غير مبالغ فيها أن الأمم المتحدة سترسل فرقة أخرى من الشرطة، حتى ولو كانت غير مسلحة، إلى هذا التقاطع الخطير.

* خدمة «واشنطن بوست»