صراع الديكة على الفضائيات!

TT

كنت أتمنى أن يفي بوعده د. فيصل القاسم مقدم البرنامج الحواري «الاتجاه المعاكس» بقناة «الجزيرة» وذلك بأن يشارك في الجلسة الختامية التي عقدها منتدى الإعلام العربي في دبي لمناقشة محاور ونتائج دراسة علمية أجريتها عن «سلوك مقاطعة المتحدثين في البرامج الحوارية التلفزيونية».

وسبب رغبتي الملحة لمشاركته زاد خصوصا عندما اتهمه مدير الجلسة د. عبد الخالق عبد الله بأنه «تهرب من المواجهة.. ولم يبد سببا مقنعا لاعتذاره المفاجئ عن المشاركة» حيث أعلن عن اسمه في المطبوعات والتصريحات الصحافية. وقال د. عبد الخالق إن القاسم هو «أكثر شخص معني بهذه الجلسة» لأن برنامجه كثيرا ما يوجه إليه انتقادات، منها أنه يقاطع ضيوفه ولا يمهلهم وقتا كافيا للتعبير عن آرائهم. كنت أتمنى أن يعلق د. القاسم على النتيجة التي توصلنا إليها، أنا وزميلي رئيس قسم الإعلام بجامعة الكويت د. يوسف الفيلكاوي، وهي أن 25 في المائة من مقدمي البرامج الحوارية العرب يقاطعون ضيوفهم بطريقة غير لائقة وفي الوقت غير المناسب، إذ يفترض أنهم كمحترفين قد تدربوا على عدم الوقوع في هذا الخطأ. ولماذا لا يتحلى 40 في المائة من المذيعين بآداب الحوار أي يفتقرون إلى اللباقة أثناء المقاطعة.

الإعلامي الذكي تركي الدخيل، صاحب برنامج «إضاءات» بقناة «العربية»، كان مشاركا وبرر المقاطعات بأنها تعتمد على طبيعة الحوار، وأنه لا يستطيع الانتظار لمدة طويلة حتى يقاطع، وهو ما نتفق معه. أما مقدم برنامج «القاهرة اليوم» على قناة «أوربت» عمرو أديب فبرر سبب المقاطعة بأن «الضيف العربي صعب جدا».. ولا يجيب عن السؤال مباشرة مقارنة بالضيوف الغربيين. أما مقدم برنامج «كلام الناس» في قناة «LBC» اللبنانية مارسيل غانم فيرى أن المقاطعة ضرورية للمحاور.

شخصيا أرى أن مقاطعة المتحدث أداة فعالة في أي حوار، وخصوصا التلفزيوني والإذاعي، لأن هذا النوع «المحمود» من المقاطعة يستطيع من خلاله المرء تصحيح ما قد يسمعه من معلومات خاطئة قبل استرسال محدثه، أو تنبيه المتكلم إلى أنه خرج عن صلب الموضوع، وتكون المقاطعة مهمة في حالة عدم فهم ما يرمي إليه المتحدث، كما يلجأ إليها أحيانا في حالة احتكار المتحدث للحديث. وربما يحتاج المذيع أو صاحب المجلس أن يقاطع المتحدث إذا خرج عن حدود الأدب وصار يشتم هذا ويسب ذاك. ولأن أكثر سبب للمقاطعة - بحسب الدراسة - هو الرغبة في طرح سؤال (بنسبة 42%) فإن المتحدث يجب أن يراعي مسألة في غاية الأهمية وهي ألا يقاطع الآخرين بسؤاله إلا حينما «تكتمل فكرة المتحدث» أو في لحظة صمته أو عندما «يفرغ كلية» من حديثه، ليكون أكثر استعدادا للاستماع. وعندما سئل المذيع الأميركي لاري كينغ، صاحب البرنامج الحواري الأشهر في العالم بقناة «CNN»، عن سبب نجاحه، قال إنه يعود لسبب بسيط، وهو أنه «منصت جيد ويعرف متى يطرح السؤال المناسب». وللأسف الشديد نلاحظ سلوكا شائعا في مجتمعنا العربي وهو أن المتحاورين يقاطعون محدثهم فور تذكرهم لأي فكرة، متناسين أن الحوار الجماعي هو مثل الوقوف في طابور ينتظر كل شخص فيه دوره، فمن نلحظ من إيماءاته رغبة ملحة بالتحدث، لا بد أن نعطيه الأولوية في التحدث، وذلك حتى تكون حواراتنا مريحة لنا وللمستمعين. ولو أن كل شخص شرع بمقاطعته أو مداخلته فور ورودها إلى ذهنه فستكون حواراتنا صاخبة بل مزعجة.

ولأن البرامج التلفزيونية تقدم نموذجا يوميا للمشاهد العربي بجميع فئاته، فإنه حري بمقدمي هذه البرامج، الذين يؤدون دورا مهما في المجتمع، أن يراعوا مسألة آداب الحوار والمقاطعة حتى لا تصبح برامجنا الحوارية كما سماها الكاتب الراحل د. أحمد الربعي «صراع الديكة على الفضائيات»!

[email protected]