صراع الدين والدولة.. أين؟

TT

الدولة في خطر.. ولكن أين؟ بالطبع ليس الحديث هنا عن مصر، أو سورية، أو تركيا، أو إيران، أو حتى السعودية التي يهدد وزير الخارجية الإسرائيلي بالتشهير بها، بل في إسرائيل نفسها! فقد عادت إلى الأضواء قصة إسرائيلية، قديمة جديدة، وهي اليهود الأرثوذكس.

وبالطبع فإن الخلفية التاريخية لصراع اليهودية الأرثوذكسية والدولة في إسرائيل قديمة، إلا أنهم دخلوا الحكومة الإسرائيلية، بالطبع، وأصبح هناك شبه اتفاق بينهم وبين الدولة وفق مفهوم «عش ودع غيرك يعش»، مع تنازلات كثيرة أعطيت لهم مثل الإعفاء من خدمة الجيش، وعدم دفع الضرائب. لكن الصراع بينهم وبين السياسيين والعلمانيين الإسرائيليين بدأ يتزايد اليوم بشكل كبير.

اليهود الأرثوذكس يرفضون الموسيقى، والأفلام، ولا تحظى لديهم المرأة بأي قيمة سوى الجلوس في بيتها وتربية أطفالها، حيث تشير التقارير إلى أن معدل عدد أطفال العائلة اليهودية الأرثوذكسية الواحدة قد بلغ 10 أطفال. وبالطبع فإنه يترتب على ذلك أعباء مالية لأنهم يعتمدون على الدعم الكامل من قبل الحكومة الإسرائيلية، حيث يقضون يومهم كله في ممارسة شعائرهم. ومدارسهم لا تدرس أي شيء له علاقة بعلوم العصر، وبالتالي من الصعب توظيفهم، أو استيعابهم في المجتمع.

لذا، فالصراع اليوم في إسرائيل يقوم على كيفية التعامل معهم، خصوصا وقد زادت أعدادهم وكثرت أعباؤهم المالية، ناهيك عن وقوفهم ضد كل ما هو عصري، سواء الهاتف الجوال، أو التلفاز، أو حتى الكومبيوتر. وكما أسلفنا فقد ارتفعت الأصوات السياسية والعلمانية في إسرائيل داعية إلى ضرورة التعامل معهم بحزم، وباتت الصدامات معهم متزايدة ومستمرة، وآخرها كان بسبب اعتراضهم على مشاريع للحكومة الإسرائيلية، مما حدا برئيس بلدية تل أبيب إلى القول هذا الشهر، إنه يجب على الدولة أن تتصرف ضد «القطاعات المعزولة والجاهلة التي تتزايد بسرعة مخيفة، وتهدد قوتنا السياسية والمالية».

والأمر بالطبع لا يقف هنا، حيث نقلت صحيفة «فايننشيال تايمز» البريطانية عن أحد المتخصصين في إسرائيل قوله: إن الصراع بين السياسيين والعلمانيين من جهة واليهودية الأرثوذكسية من جهة أخرى مرشح للاستمرار والتصاعد، وإن الانتخابات الإسرائيلية القادمة ستكون المعركة فيها وفق مفهوم الدين والدولة.

والغريب أن الإسرائيليين، ومن يتعاطف معهم في الغرب، يحاولون دائما التركيز على أن التطرف هو بضاعة العرب، متجاهلين ما لدى إسرائيل من تطرف وتعصب. والمهم بالنسبة لنا - كما قال زميلنا مشاري الذايدي في مقاله الأسبوع الماضي - أن نواصل إصلاحنا، لأنه سلاحنا الحقيقي في معركة التقدم واللحاق بمن يريدون لهم مكانا في عالم متقدم، سياسيا، واقتصاديا، وبالطبع علميا. فمن ينهج نهج الإصلاح في كل شيء من دون استثناء، سيحصد نتاجه، ومن يرد التعايش مع التطرف سيدفع الثمن بالطبع، وهذا ما ينتظر إسرائيل.

لذا نقول إن المعركة الحقيقية مع إسرائيل لم تبدأ بعد، فصراعنا معهم يوحدهم، ويجعل العالم غير آبه بما يدور في الداخل لديهم، وما أن يحسم ملف السلام، ذات يوم، حتى تبدأ المعركة الحقيقية، وهي معركة العلم والتخلف، والسلم الاجتماعي، فما يفرقهم أكثر بكثير مما يجمعهم.

[email protected]