ليست مشكلة زويل أو البرادعي

TT

لم تزل صورة العلماء الموسوعيين المتوارثة في أذهاننا من أزمنة الفارابي وابن سينا وابن رشد وأمثالهم تتحكم في نظرتنا لبعض علمائنا المعاصرين أمثال أحمد زويل، ومحمد البرادعي، وفاروق الباز، وغيرهم، فثمة اعتقاد شائع بأن هؤلاء العلماء الذي نبغوا في حقول تخصصاتهم يمكن أن يكونوا أيضا علماء في السياسة والإعلام والفلسفة والإدارة والأدب والفن وسائر مجالات المعرفة المعاصرة، ونحن نظلمهم حينما نتعامل معهم وفق هذه النظرة التقليدية، خاصة حينما نكتشف أنهم عند مستوى الاعتيادي والمألوف، وهم يتحدثون في قضايا عامة خارج دوائر تخصصاتهم التي نبغوا فيها، فكل الذين استمعوا للعالم العربي الكبير الدكتور أحمد زويل، وصفقوا له في منتدى الإعلام الذي عقد مؤخرا في دبي، تفاعلوا مع اسمه العلمي، ووجوده الرمزي، أما كلمته التي أورد فيها حشدا من الملاحظات عن الإعلام ومستقبله، وما استحضره من إحصاءات ومقارنات، فهي كلمة رغم روعة إلقائها، وجماليات رؤاها، فإنها لا تشكل إضافات معرفية جديدة أو عظمى لحضور المنتدى، ولم يكن منتظرا منه أكثر من ذلك من قبل الذين يدركون أهمية القيمة الرمزية لحضوره في منتدى لا يتصل بصلب اهتماماته العلمية، لكن هل تقنع تلك الكلمة الباحثين في أحمد زويل عن الشخصية الموسوعية التي تعلم كل شيء؟!

ولقد تطرق لهذه الإشكالية الكاتب محمد العضاضي، فكتب في صحيفة «إيلاف» الإلكترونية مقالا بعنوان «أحمد زويل: خليك في كالتك» يصف فيه تخاطف وسائل الإعلام العربي للدكتور أحمد زويل منذ فوزه بجائزة نوبل عام 1999 ويقول: «ظهر الرجل وكأنه كاتب صحافي من الدرجة المتوسطة في تعليقاته على مسائل علمية وسياسية واجتماعية وفكرية تهم العالم العربي»، ولعل العضاضي يشاركني الرأي بأن الذنب ليس ذنب زويل، لكنه ذنب الإعلام العربي الذي يتعامل مع هذه الرموز من منظور لا يتسم بالواقعية، وهذه الإشكالية لا تواجه زويل وحده، فحاله كحال الدكتور محمد البرادعي، المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وكحال العالم العربي الدكتور فاروق الباز، اللذين يوشك بعض الإعلاميين أن يستفتوهما حتى في المسائل الفقهية والأنظمة المرورية، وكان حريا بهؤلاء الإعلاميين أن يدركوا أنهم أعلم ببعض أمور دنياهم من زويل والبرادعي والباز.

ويبقى لهذه الرموز العربية الكبيرة مكانها ومكانتها في فكرنا ووجداننا، متمنيا أن تكون سيرهم ومسيراتهم متاحة لأجيالنا الطامحة كنماذج محفزة على التميز.

[email protected]