مآكل ومشكلات

TT

يستعد الآن ألوف التلامذة العرب للالتحاق بالمعاهد الغربية في العام الدراسي القادم، ضمن جموع المبتعثين. وكواحد من المبتعثين القدماء يجدر بي أن أغنيهم ببعض تجاربي ومعارفي فيما سيواجههم من مشكلات معيشية. فأكثرهم سينفصل عن أهله لأول مرة في حياته، وينفصل عن مجتمعه العربي الإسلامي إلى مجتمع غربي علماني/ نصراني. ما هذه بنقلة سهلة. أدت بالبعض إلى الاكتئاب والهروب والرجوع إلى بلدهم.

من أول ما يواجهه المبتعث الشاب استعمال الحمامات الغربية. أرضية الحمامات البيتية عندهم غير مبلطة وإنما تتكون من ألواح خشبية تتخللها شقوق كثيرة. أي ماء يسقط عليها يتدفق إلى الطابق الأسفل وهذا هو المقلب الذي وقع فيه صديق من العلماء العراقيين. أكثر الحمامات الإنجليزية غير مجهزة بدش وإنما بحوض بانيو تملأه بالماء وتغطس فيه. ملأه صاحبي إلى حافته دون أن يفكر بأنه عندما سيغطس فيه سيرتفع مستواه بمقدار حجم جسمه. ولكن هذه الحقيقة العلمية البسيطة لم تخطر لهذا العالم العلامة. فتدفق ماء البانيو وفاض إلى غرفة الجلوس، حيث كانت سيدة البيت جالسة مع زوجها. تساقط ماء الحمام عليها وعلى ما في الغرفة من أثاث وسجاد فهرعت تصرخ وتولول. دمدم صاحبي معتذرا: «آني شعرفني هالشكل يصير!».

الولائم مشكلة أخرى. كثيرا ما اعتاد الإنجليز على دعوة التلميذ الأجنبي للعشاء معهم للاستئناس بمحادثته وسماع كلامه عن بلده، دون أن يعرفوا شيئا عن تقاليده ومعتقداته. لحم الخنزير أول مشكلة واجهها زميلي الفنان عبد الرحمن الكيلاني. جاءت سيدة البيت بطبق من قطعة خنزير فاعتذر عن أكلها. لم تعرف ماذا تعمل غير أن تقلي له بيضتين كحالة طوارئ. جاءته بالبيض المقلي بدهن اللارد، وهو شحم الخنزير. اعتذر مرة ثانية عن الأكل. عادت للمطبخ لتغلي له بيضتين مسلوقتين. امتنع أيضا عن الأكل. فما زال لحم الخنزير أمامه على المائدة. فرفعت السيدة طبقها وطبق زوجها وعادت للمطبخ للمرة الرابعة لتسلق أربع بيضات لها ولزوجها. وانتهت الوليمة بأكلة بيض، مما كنا نأكله في باب المعظم في بغداد بعشرين فلسا.

تفادت سيدة أخرى هذه المشكلة بأن طبخت لضيفها المصري دجاجة. المعتاد للأسرة الإنجليزية أن تعيش على الدجاجة لنحو أسبوع. جاءت بها مطبوخة بالفرن ووضعتها على المائدة وعادت للمطبخ لتأتي بالخضروات والبطاطا والمرق. ولكنها عندما جاءت بها لم تجد للدجاجة أثرا غير بضعة عظام على الطاولة. لقد أكلها صاحبنا على اعتبار أنها له وأنها ذهبت لتأتي بدجاجة أخرى لنفسها.

مشكلة لحم الخنزير، أن الغربيين يطلقون عليه أسماء مختلفة. فهو بورك أو بيكن أو سبام أو صوصج أو بوركتشوب.. إلخ. وقع في هذه المحنة زميل سوداني. أخذ ينتظرني في المطعم لأشرح له حقيقة ما في القائمة من لحوم بأسماء مختلفة. قلت له، يا عزيزي عثمان، لماذا تحرج نفسك وتسألني؟ توكل على الله وكُل. وفي يوم الحساب تذرّع بجهلك.

وهذا هو الملاذ الوحيد للمغترب المسلم في ديار الغرب. فمشتقات لحم الخنزير والمشروبات الكحولية موجودة في معظم مأكولاتهم ومشروباتهم، بما فيها الآيس كريم.