الوهابيون والنواصب والروافض

TT

هل كل هذه الأسماء نوع من السباب والتنابز بالألقاب؟ الجواب نعم، لسبب بسيط وهو، مع أسباب أخرى، أن الموسومين بهذه الصفات لا يحبون أن ينادوا بها، ويستحيل أن تؤلف قلوبا، أو أن تهيئ مناخا صحيا لحوار، أو أن تضع أرضية لتفاهم أو تواصل وأنت تصم «غيرك» باسم أو وصف لا يحبه ويعتبره نبزا بالألقاب، مع الأخذ في الاعتبار أن وصف «النواصب» هو الأشد شتما بين هذه الثلاثة لأنه غير حقيقي، فكلمة «ناصبي» تعني مناصبة آل البيت العداء، ويستخدمها بعض متطرفي الشيعة ويقصدون بها عموم أهل السنة، وهذه فرية كبرى، إذ إن جميع أهل السنة بلا استثناء يحبون أهل البيت ديانة. أما «النواصب» الذين ناصبوا أهل البيت العداء لأسباب سياسية فقد انقرضوا. والتسمية بالرافضة في ظني أخف لأنها تعني رفض الشيعة لزيد بن الحسين لأنهم لما طلبوا منه أن يتبرأ من أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، قال: هما صاحبا جدي بل أتولاهما، قالوا: إذن «نرفضك»، فشاعت هذه التسمية. والحقيقة أن أغلبية الشيعة فعلا يرفضون موقف الإمام زيد، ومع ذلك فالمعول عليه في عدم استخدامه هو استياء الشيعة، إذ يكفي أن عموم الشيعة في العالم كله لا يحبون أن يسموا بالرافضة.

وأما وصف «الوهابية» فخطأ مختلف، لأن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، كما قال الأمير سلمان بن عبد العزيز في مقاله المهم في جريدة «الحياة» بتاريخ 29/3/2010، ليست منهجا جديدا وليست فكرا جديدا. وأضيف هنا أن تبرم محبي الشيخ محمد بن عبد الوهاب وضيقهم من اسم «الوهابية» يعتبر لهم وليس عليهم، فلو أن «الوهابية» أتت بتغيير لكان الشرف في الانتساب لصاحب التغيير، ولو أن القداسة عند السلفية للأفراد لكان الأقل في تقدير شخص محمد بن عبد الوهاب أن يتسمى أتباعه وتلامذته ومحبوه «بالوهابيين». فالانتساب للشيخ محمد بن عبد الوهاب ليس سبة ولا شتيمة في حد ذاته، كما هو الانتساب «للنصب» أو «الرفض» مثلا، وإنما جاء الضيق والانزعاج من هذه التسمية لأن مصطلح الوهابية يوحي بأنها مذهب جديد، وهذا ليس بصحيح. ولا بد أن أؤكد هنا أن أي ممارسة خاطئة لأحد أتباع الشيخ محمد بن عبد الوهاب أو محبيه أو المتحمسين لدعوته لا يجوز أن تنسحب على دعوة هذا الإمام الجليل، وسيكون هذا حديثي في مقال قادم بحول الله.

ولأن شخصية الإمام محمد بن عبد الوهاب معدودة ضمن أهم مصلحي القرون المتأخرة بالنظر إلى تأثيرها، ليس الإقليمي فحسب بل على نطاق العالم الإسلامي كله، فقد أوغرت هذه النجاحات الصدور عليه وعلى نتاجه وتأثيره العالمي، وقد ذكر الأمير سلمان أن هذا التشويه جاء من جهات متعددة لم يعجبها تأثير هذه الدعوة الصافية، وهذا صحيح، لأن هذه التوأمة اللافتة التي قامت بين الحكم والدعوة كان من مخرجاتها دولة خرقت الناموس التاريخي الذي قال لنا إن الدول كالإنسان تعيش وتهرم وتموت مرة واحدة فقط كما ذكر ابن خلدون في مقدمته، وذلك لأن التوأمة «السياسية الإسلامية» في التجربة السعودية قد عاشت ثم زالت في الدولة السعودية الأولى، ثم نشأت مرة أخرى في الدولة السعودية الثانية، ثم انهارت، ثم نشأت للمرة الثالثة في تجربة ندر أن يرصد المؤرخون لها شبيها، ولقد تبوأت في مرحلتها الثالثة مكانة إقليمية وعالمية قوية بسبب هذا «الارتباط الإسلامي السياسي»، وخصوم هذه التجربة في كل مكان يريدون أن يبتروا هذه العلاقة الوطيدة بطرق وأساليب شتى أحدها ترويج أوصاف وألقاب لا تريد تشويه دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب فحسب، ولكن لخلق انفصام نكد بين السياسة والدين في التجربة السعودية.